السيارات الكهربائية.. حوافز أميركية
السيارات الكهربائية نادرة في مدينة «موزيس ليك» بولاية واشنطن. ففي هذه المدينة الصغيرة في حوض نهر كولومبيا الخصيب على بعد ثلاث ساعات من سياتل عاصمة الولاية، حيث يعيش مجتمع زراعي وصناعي محافظ، فإن عدداً قليلاً من الناس لديهم المال أو الرغبة في امتلاك سيارات كهربائية. فالسيارة الوحيدة التي رأيتها أثناء زيارة استمرت يومين، الشهر الماضي، كانت سيارة «تسلا» في ساحة انتظار فندق.
لكن المئات من سكان المدينة الصغيرة سينخرطون خلال السنوات القليلة القادمة في مجال إنتاج السيارات الكهربائية. ستفتتح شركتان مصانع هناك للاستفادة من الطاقة الكهرومائية الرخيصة، وحصل كل منهما على 100 مليون دولار كدعم من الأموال الاتحادية، لإنتاج مكونات رئيسية لبطاريات السيارات الكهربائية.
وهذا الاستثمار جزء من حوالي 500 مليار دولار تحشدها إدارة بايدن لتحويل الاقتصاد المعتمد على الكربون إلى اقتصاد يعتمد على الطاقة المتجددة النظيفة. لكن هذه مقامرة بالنسبة لمسعى أكبر للإدارة لأنها مصممة على استغلال هذه الفرصة لتوسيع التصنيع المحلي، وتقوم بتركيز قدر كبير من ذلك الجهد في المجتمعات الريفية و«مجتمعات حزام الصدأ»، التي تمتد من وسط ولاية نيويورك، وتمر غرباً عبر بنسلفانيا وأوهايو وماريلاند وإنديانا. حيث يسيطر السياسيون المحافظون، وتعتمد على خطتها لمحاربة الاحترار العالمي من خلال الإحياء الصناعي وتحول المشهد السياسي.
هناك خطر حقيقي لحدوث تعارض بين الأهداف الاقتصادية والسياسية للرئيس جو بايدن وأهدافه البيئية. إذا كان الإنتاج المحلي يؤدي إلى تكاليف أعلى، فإن ذلك قد يكبح الطلب على السيارات الكهربائية.
فالمعارضة السياسية للطاقة المتجددة التي تتزايد في كثير من المجتمعات المحافظة قد تعوق الإنتاج. لكن منح الناس مصلحة اقتصادية في الانتقال إلى الطاقة الخضراء قد يكون أفضل فرصة للدولة لبناء توافق سياسي قوي مؤيد لمكافحة الاحترار العالمي. فمن الصعب جعل إنسان يفهم شيئاً عندما يكون دخله معتمداً على عدم فهم ذلك الشيء. والعكس أيضاً صحيح. ففي موزيس ليك، من الممكن تخيل أن العمال في مصنع للبطاريات سيقودون شاحنات كهربائية في يوم في المستقبل غير البعيد. والمبرر البيئي لاستثمار 200 مليون دولار من أموال الضرائب هناك هو أن السيارات التي تعمل بالغاز تنتج 24 بالمئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وأن إقناع المستهلكين بقيادة سيارات كهربائية سيتطلب قدراً كبيراً من البطاريات أقوى وبأسعار أفضل من البطاريات المتاحة اليوم. فمعظم السيارات الكهربائية في الوقت الحالي تعمل ببطاريات تستخدم الجرافيت لتخزين الكهرباء.
ويعرف العلماء منذ فترة طويلة أن السيليكون يمكن أن يحتفظ بقدر أكبر من الطاقة، لكن السيليكون ينتفخ مع الشحن. والشركتان اللتان ستبنيان مصانع في موزيس ليك، وهما «سيلا نانوتكنولوجيز» و«جروب 14 تكنولوجيز» تقومان بتصنيع أشكال معدلة من السليكون لحل مشكلة الانتفاخ أثناء الشحن. والبطاريات التي تستخدم أنواعاً خاصة من الرمال يمكن أن تدفع المركبات بنسبة تزيد إلى ما يصل إلى 20% عن البطاريات المتوافرة حالياً، وإعادة الشحن أسرع أيضاً. وتقول الشركتان إنهما ستمضيان قدماً في المشروع حتى من دون تمويل اتحادي مباشر. لكن المال لا يعني تطورهما بمعدل أسرع.
وأشار ريك ليوب الرئيس التنفيذي لشركة جروب 14 إلى أن الشركة قادرة على حشد رأسمال إضافي بفضل الدعم المالي الاتحادي، مما يسمح لها بإنشاء خطي إنتاج في موزيس ليك بدلاً من إنشاء خط واحد. ويمكن أن تحصل على 400 مصنع آخر بحجم المصانع الموجودة في «موزيس ليك» لتصنيع ما يكفي من السليكون لتشغيل جميع السيارات المنتجة في سنة عادية.
لكن الحكومة لا تراهن على السيليكون فقط. فهي تمول في الوقت نفسه توسعاً أكبر للجرافيت المصنع في مصانع في ولايات جورجيا ولويزيانا وتينيسي. وتدعم أيضاً شركات تسعى وراء بدائل للجرافيت وتحقيق اختراقات أخرى محتملة في تكنولوجيا البطاريات. ويمثل دعم الإنتاج المحلي قطيعة مع عقود من السياسة الاقتصادية الاتحادية جعلت من الأسعار المنخفضة الهدف الرئيسي، والواردات هي الطريقة الأفضل لتحقيق ذلك الهدف.
ففي عام 2005، على سبيل المثال، قدمت الحكومة مزايا ضريبية لتركيب ألواح للطاقة الشمسية، دون قيود على بلد المنشأ وعلى مدى السنوات الست التالية، زادت واردات الألواح الشمسية من الصين إلى 2.7 مليار سنوياً مقابل 21 مليون دولار سنوياً. وتقدمت الشركات الصينية أيضاً في السباق في سوق بطاريات السيارات الكهربائية، لكن إدارة بايدن تتطلع إلى تخطيها من خلال الاستثمار في جيل جديد من الأفكار.
تسيطر الصين على ثلاثة أرباع إمدادات الجرافيت العالمية، لكن جين بيرديتفيستي الرئيس التنفيذي لسيلا يرى أن التكنولوجيا الخاصة بشركته تحتاج إلى الرمال والطاقة وهما متوافران في كثير من الأماكن. وتتحرك الحكومة الاتحادية كذلك ضد المنتجين الصينيين. وبموجب قانون خفض التضخم، الذي أقر العام الماضي، يحصل مشترو السيارات الكهربائية على إعفاءات ضريبية تصل إلى 7500 دولار.
لكن الإعفاء متاح اعتباراً من 18 أبريل فقط إذا كان نصف البطارية منتجاً في الولايات المتحدة أو كندا أو المكسيك، وأن يكون ما لا يقل عن 40 بالمئة من المعادن منتجة في الولايات المتحدة أو لدى أي من حلفائها المعتمدين. وستزداد هذه الاشتراطات في السنوات القليلة القادمة تدريجياً لتصل إلى نسبة 100 بالمئة للبطاريات و80 بالمئة للمعادن. وقد يؤدي الدعم الآخر إلى خفض إضافي قدره تسعة آلاف دولار لأسعار السيارات التي تعمل ببطاريات أمريكية. والحوافز كافية لأول مرة، ذلك أن بعض السيارات الكهربائية أرخص مقارنة بالسيارات التي تعمل بالغاز. ويتوقع سكان «موزيس ليك» الحصول على منافع.
فالمصانع ستستدعي معها مصانع أخرى. والاستثمار الحكومي يمكن أن يسمح لشركات أخرى بتحمل مخاطر لا يدعمها المستثمرون. لكن إلحاح مشكلة الاحترار العالمي تعني أن إدارة بايدن قد تقامر بالوقت الذي لا تملك رفاهية خسارته.
*صحفي أميركي متخصص في الاقتصاد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»