دبلوماسية المناخ الإماراتية
في العام 2015 وخلال القمة العالمية للحكومات، كشف للمرة الأولى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عن النوايا الإماراتية للاحتفال بتصدير البرميل الأخير من النفط، إذاً فالمسألة تأخذ بُعداً استراتيجياً بالنسبة لدولة تعتبر أحد أهم منتجي النفط في العالم ومع ذلك فهي تستعد للاحتفال بتصدير البرميل الأخير وتستبدله بمصادر الطاقة النظيفة. ووفق هذه الرؤية الاستباقية، طورت دولة الإمارات مبادرات تهدف إلى دمج ملف المناخ ضمن الأولويات الاستراتيجية للدولة تتماشى مع المبادئ العشرة للخمسين باستهداف الحياد المناخي 2050.
القيادة الإماراتية ربطت مستهدفات النمو الاقتصادي للدولة الاتحادية بأجندة المناخ، وبذلك وضعت عينها على عالم ما بعد النفط، وتراهن على الاستدامة لتحقيق أعلى درجة من الاستقرار للأجيال، ومن ذلك اعتمدت استراتيجية طويلة المدى تستند إلى مزيج متوازن من مصادر الطاقة المتجددة والنووية والنظيفة، لتلبية الاحتياجات الاقتصادية وتحقيق الأهداف البيئية.
هذه الاستراتيجية تهدف إلى زيادة كفاءة استهلاك الطاقة على المستوى الفردي والمؤسسي بمقدار 40% لتوفير يصل إلى 700 مليار درهم حتى عام 2050، كما تستهدف خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة.
قدمت شركة «مصدر»، وهي من أهم الشركات في العالم مشاريعَ حيويةً في داخل الإمارات، اشتملت الطاقة المتجددة ومحطات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية والموجية، بالإضافة إلى مشاريع للطاقة المستخلصة من النفايات، كما تستثمر دولة الإمارات في تطوير تكنولوجيات جديدة للطاقة المستدامة، وتطور تقنيات مثل التقاط وتخزين واستخدام ثاني أكسيد الكربون.
تمتلك الإمارات الحصة الأكبر في استثمارات الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي تنفرد عربياً بصدارة الدول في هذا المجال. وتستفيد بعض دول المنطقة من الخبرات الإماراتية في هذا المجال، كمصر والمغرب والأردن، ودول وسط آسيا. مشروعات الطاقة نجحت وشكلت حلولاً مستدامة ونظيفة. والدوافع التي صنعت روافع مؤثرة في المجتمعات مكنت الخبرات أن توسع من تأثيراتها الإيجابية وعلى ذلك فإن هناك رغبة جادة لتوسيع النجاحات للوصول بالعالم إلى الالتزام الدولي باتفاقية باريس للمناخ 2015.
الإماراتيون لديهم رؤية واضحة في مجال المناخ، فبدؤوا من داخل بلادهم لتقديم حلول حقيقية لهدف واضح بالوصول إلى ما بعد النفط. والالتزام بالتعاون مع الشركاء الدوليين لتبادل الخبرات والحلول والابتكارات، خطوة عملية أخرى لتحقيق الغاية، وعلى ذلك فإن دبلوماسية المناخ الإماراتية تعمل على معادلة التعاون الدولي باعتبار أن قضية المناخ هي قضية وجودية للبشرية، فإما أن ينجح المجتمع الدولي أو أن يفشل، المعادلة دقيقة وحلولها معروفة فلا مكان للعيش إلا على الأرض وعلى سكان الكوكب التعاون لإنقاذ أنفسهم.
ذات لقاء سألت رئيس مؤتمر الأطراف معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، عن فرصة النجاح فقال وبسرعة جملة مثيرة للغاية: «اعتدنا أن نحول الفرص إلى نجاح وهذا هو التحدي الذي نعمل عليه». الإمارات تريد أن تقود العالم إلى نقطة الالتزام الدولي بخفض الانبعاثات باعتماد توصيات مؤتمر شرم الشيخ إلى قرارات نافذة تكون المسار العالمي لإنقاذ الكوكب، هذا التحدي يمثله اختيار رئيس أكبر شركة نفطية إماراتية وواحدة من أبرز شركات إنتاج النفط في العالم ليكون رئيساً لمؤتمر الأطراف 2023 فهذه الشخصية هي أيضاً من تقود شركات الإنتاج الرائدة في الطاقة المتجددة، معادلة تلخص التحدي الوطني بالاتجاه إلى الاحتفال بإنتاج آخر برميل من البترول.
الحلول تتطلب ابتكارات وهذه موجودة لدى قيادة الإمارات التي تراهن عبر دبلوماسية المناخ كطريقة لمنح دول العالم جسراً من أجل عبور آمن من أزمة الاحتباس الحراري التي تكلف الاقتصادات ميزانيات هائلة يمكن تقليصها باحترام لما منحه الله للبشرية من نعمة على هذه الأرض التي يجب أن تبقى آمنة ليبقى البشر فيها أحياء آمنين.
*كاتب يمني