البعد الاقتصادي للطفرة الطبية البيولوجية
هذا هو العصر الذهبي بالنسبة للطب الحيوي. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أنقذت لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال ملايينَ الأرواح ومكّنت من استئناف الحياة التجارية والاجتماعية على مستويات أكثر سلامة. وهناك لقاحات قيد التطوير للملاريا وحمى الضنك، وكلاهما يبديان مؤشرات جدية على النجاح. كما أن هناك حديثاً جدياً عن استخدام «كريسبر» لعلاج فقر الدم المنجلي.
ويُعد لقاح حمض نووي ريبوزي مرسال ضد بعض أشكال السرطان مثيراً للتكهنات، ولكنه يبدو ممكناً. وعلاوة على ذلك، تُظهر بعض العقاقير الأخرى، التي تم تحويل استخدام بعضها من الأدوية المضادة للسكري، نتائج واعدة جداً في الحد من السمنة. هذه العقاقير تُستخدم منذ مدة من قبل ملايين الأميركيين، وتشير بعض التقارير إلى أن عقاقير أقوى وأكثر فعالية باتت وشيكة. ونظراً لأن السمنة هي المشكلة الصحية الأولى في أميركا، فلا شك أن هذه أخبار مهمة جداً.
فبالأمس القريب فقط كانت الأخبار مليئة بمقالات حول مدى تعطل النظام الصيدلي. غير أن كل هذا التقدم يثير سؤال التأثير الاقتصادي. فلا أحد تقريباً يشكك في المزايا الإنسانية، ولكن ما الذي ستفعله هذه المزايا للاقتصاد؟ وعلى كل حال، فإن الاستثمارات الطبية الحيوية كان أداؤهاً ضعيفاً مؤخراً. الواقع أن ما نحتاجه هو مقاييس جديدة لالتقاط التأثير الاقتصادي لهذه المكاسب، أو في بعض الحالات، العودة إلى المقاييس القديمة. وإلا فإن هناك خطر التقليل من شأن التأثير الثوري للتطورات التكنولوجية الحالية. ولنأخذ هنا على سبيل المثال اللقاحات ضد كوفيد.
فأهم حقيقة بخصوص هذه اللقاحات بالطبع هي أنها تحدُّ من الوفيات والمعاناة. ولكن ما هو تأثيرها الاقتصادي؟ الحقيقة أن اللقاحات كانت أكثر إفادة للأشخاص الأكثر هشاشة، أي كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون من أمراض أو حالات طبية كانت موجودة. والحال أن هذه ليست الفئات الأكثر إنتاجية في الاقتصاد.
وبالتالي، فإن فعالية اللقاحات قد تكون خفضت في الواقع عدداً من الأرقام الاجتماعية مثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أو معدل إنتاجية الفرد. ولا شك أن الحياة الإضافية تمثِّل فائدة خالصة. ولكن لالتقاط تلك الفائدة بالأرقام، يقتضي الأمر النظر إلى المجاميع، وليس إلى المعدلات فقط. وعلى سبيل المثال، فإن إنتاجية العمل في الساعة لن تزداد بالضرورة. لكن إجمالي عرض العمالة وإجمالي السكان سيزداد.
وللقاحات ميزة أخرى، وهذه الميزة تخص الشباب: ذلك أنهم ليسوا مضطرين لعيش الحياة وهو يخشون إصابة أجدادهم أو آبائهم بالعدوى والتسبب في وفاتهم أو في إصابتهم بمرض طويل. وتلك المستويات المنخفضة من التوتر قد تجعلهم أكثر سعادة وأكثر إنتاجية في العمل نوعا ما، غير أنه في الغالب الأعم لن تظهر هذه المكاسب النفسية في أرقام الناتج المحلي الإجمالي.
ومما لا شك فيه أن مؤشراً للتطورات الطبية الحيوية، ودرجة وصولها للسكان، سيمثّل إضافةً مرحباً بها إلى الخطاب المألوف حول النمو الاقتصادي. وإذا بلغ حجم قطاع الرعاية الصحية 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2040، كما تنبأ بذلك الحائزُ على جائزة نوبل في الاقتصاد روبرت فوغل ذات مرة، فإن هذا المؤشر سيزداد أهمية.
ولنتأمل هنا أيضاً العلاجات الجديدة للسمنة، وخاصة في وقت أضحت فيه متاحةً على نطاق واسع. فحالياً، تحظى هذه العلاجات بشعبية بين المشاهير بسبب أسعارها المرتفعة، غير أن لديها الإمكانية لتصبح أكثر مساواة إذا أصبحت أرخص. ومع مرور الوقت، يمكن أن تساعد علاجاتُ السمنة الجزءَ الأدنى من توزيع الدخل أكثر من الجزء الأعلى. وسيكون ذلك شيئاً جيداً حتى ولو أدى إلى انخفاض معدل الإنتاجية أو معدل إنتاجية الفرد.
وفي وقت أخذت تنخفض فيه مقاييس متوسط أمد الحياة في الولايات المتحدة، حتى قبل كوفيد، فلا شك أن هذه التطورات تُعد مهمة بشكل خاص. وبينما يخطو المجتمع الأميركي بعض الخطوات السلوكية إلى الوراء مع المنتجات المخدرة والعنف وإساءة استخدام السلاح والمشاعر المناهضة للقاحات، فإنه سيصبح أكثر اعتماداً على التقدم الطبي لجعل حياة الناس أكثر صحة وسعادة. ماذا عن تلك العائدات الضعيفة من الاستثمارات الطبية الحيوية؟
الحقيقة أن هذا مؤشر على أن معظم مكاسب الابتكار يجنيها المرضى والمستخدمون والمستهلكون – وليس الرأسماليين. أليس هذا بالضبط هو ما يريده الجميع؟ بعد بضعة عقود من الآن، من المحتمل أن يُنظر إلى العصر الحالي باعتباره زمناً خاصاً في تاريخ العلوم.
وينبغي على الاقتصاديين الحرص على ألا نفوت فرصة قياس كل فوائده ومزاياه.
أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة جورج ميسن الأميركية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»