سلطَان هاشم والعلقَمي.. إنقاذُ بغداد
أكتب في الذكرى العشرين لغزو العِراق واحتلاله. سيُفهم المقال اتهاماً للوزير سلطان هاشم (ت: 2020)، ضمن التَّلفيق الذي طال الوزير مؤيد الدِّين بن العلقميّ (ت: 656هـ)، وطرف سيفهمه تقليلاً مِن العلقميّ، ذلك وفق الأهواء المذهبية. لكنني أكتب حافظاً للاثنين محاولتهما لإنقاذ بغداد، وإخلاصهما لها، ولستُ معنياً بما سيُقال.
أعبر عن قناعتي أنّ للوزيرين العِراقيين تجاربَ في الحروب، وإخلاصاً قل نظيره. فالعلقميّ صد غزو جد هولاكو جنكيزخان (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة)، وهاشم ابن المؤسسة الوطنيَّة المخلص لبلاده في حرب الثماني سنوات وما بعدها. ليس مِن شأني إقناع الآخرين، وقد فصلتُ براءة الوزير العباسيّ في أكثر مِن كتابٍ ومقال: «لا إسلام بلا مذاهب وطروس أُخر»، و«ضد الطَّائفية»، وفي «الشّرق الأوسط»: «أيُّ مفاتيح سلمها ابن العلقمي» (4-4-2007). أما ردود الطَّائفيين المتحزبين فليست لها اعتبار.
ترك هاشم وصيةً بخط يده، تلاها محاميه سليمان الجبوري، مؤرخة في يوليو 2007، أرسلها لشقيقه عبدالله هاشم، عرض أمر تردي أوضاع الجيش، طالباً زيادة الرَّواتب، وتحسين الإمكانية القتالية، بعد الانهيار(1991). قال: «وصل الحال أنَّ الجنود يستجدون في أبواب الجوامع والمساجد». لكنَّ «الدَّوائر المعنية في القضايا المالية، في مجلس الوزراء، كانوا دائماً يضعون أمام القيادة: إنَ الوضعَ المالي للبلد لا يُساعد». حاول سد ما يحتاج من تجهيزات ومعدات، لكنه فشل.
رُفضت، قُبيل (2003) خطته لحماية بغداد، ولما اُحتلتْ «أم قصر»، وافق القائد العام عليها، ثم سرعان ما ألغيت. تحدث عن توزيع العراق إلى أربع مناطق يقودها مدنيون، لا يعلم وزير الدِّفاع ما سيفعله هؤلاء، وليس له علم بالحرس الجمهوري، ولا الخاص.
غلب على صدام حسين (أُعدم: 2006) الاعتقاد أنّ الأميركان لا يدخولون بغداد، أما الوزير فقال: «إذا لم تُعالج الأمور سيصل الأميركان خلال أيام». كتب: «هذا التقدير الخاطئ، وهذه القناعة، التي أجهل مِن أين أتت، وكيف تم التّوصل إليها، كانت هي سبب الكارثة»، بأنّ الأميركان لا يدخلون بغداد!
بالمقابل كان المستعصم بالله (قُتل: 656هـ) لا يسمعِ مشورة وزيره، فظل مطمئناً أنَّ هولاكو لا يدخل بغداد، لأنّ «بناء هذا البيت مُحكم للغاية، وسيبقى إلى يوم القيامة» (الهمدانيّ، تاريخ هولاكوخان).
أشار الوزير لدفع هولاكو: «ينبغي دفعه ببذل المال، لأن الخزائن والدَّفائن تجمع لوقاية عزِّة العرض» (المصدر نفسه، والحوادث الجامعة)، بإرسال وفد مع هدية نفيسة، اعتذاراً لما حصل لوفد هولاكو مِن إهانة على حدود بغداد. وافق الخلفية، لكنَّ الحواشي أشاروا بغير ذلك، وهم أجداد الذين حالوا دون تطبيق خطة الوزير هاشم.
عاد العلقميّ طالباً أموالاً لإعادة بناء الجيش المتضعضع، جاء في الرّواية بما يتطابق ومعاناة هاشم، مع القادة المدنيين وأحوال ضباطه وجنوده: فـ «كان الخليفة قد أهمل حال الجند، ومنعهم أرزاقهم، وأسقط أكثرهم من دساتير ديوان العرض، فآلت أحوالهم سؤال النَّاس، وبذل وجوههم في الطَّلب في الأسواق والجوامع» (الحوادث الجامعة).
إذا كانت قناعة المستعصم أنَّ الخلافة لا تسقط، فمات هاشم وهو لا يدري أيّ مُنجمِ أدخل في رأس صدام أنَّ بغداد لا تسقط؟! فسقطت الخرافة واجتيحت بغداد في أربعاء مِن صفر (1258م)، وأربعاء مِن صفر 2003.
كان هاشم حريصاً نزيهاً بما نراه نادراً، فأوصى بتسليم 13 ألف دولار، الباقية لديه مِن وزارته، والخمسة ملايين دينار إلى الفريق عبود كمبر، هدية مِن الرَّئاسة، وأخرى لشخص اسمه راضي. لكنَّ واقعة (1258م) تكررت بعد سبعة قرون (2003)، وكأن مجد الدِّين النَّشابيّ (ت: 657هـ)، لم يبرح المكان، محذراً مما سيقع: «يا ضيعةَ المُلكِ والدِّينِ الحنيفِ وما/ تَلقاه مِن حادثاتِ الدَّهرِ بَغْدادُ»(الحوادث الجامعة).
*كاتب عراقي