المعادن الخضراء ليست على وشك النفاد
بالنسبة لأولئك الذين يراهنون على قدرة العالم على التخلص من إدمان الكربون، فإن طفرة السلع الأساسية في السنوات القليلة الماضية قدمت أدلة جديدة.
يحتوي الطراز الثالث من السيارة تسلا على 4.5 كيلوجرام من الكوبالت في حزمة الطاقة الخاصة بها في عام 2018، وفقاً لتقدير لوكالة تقارير الأسعار «بينش مارك مينيرالز انتيليجينس» في ذلك الوقت. وقد تم بيع 7.8 مليون سيارة كهربائية في العام الماضي – ما يمثل 10% من السوق العالمية – وإذا صحت التوقعات بأن ترتفع هذه الحصة إلى 100%، فقد يواجه العالم مشكلة في الإمداد بسرعة.
من المؤكد أن أسعار بطاريات الليثيوم أيون ارتفعت العام الماضي للمرة الأولى منذ عام 2010 على الأقل حيث رفعت المواد السعر، ولن تكون مفاجأة إذا ساءت الأمور مع تكثيف الاستثمارات الخضراء في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين خلال السنوات القادمة.
حذر صندوق النقد الدولي في تحليل عام 2021 من أن الطلب على المعادن نتيجة التحول في مصادر الطاقة «قد يكون أعلى من العرض العالمي الحالي». وكتب مختبر الطاقة الآجلة في إمبريال كوليدج لندن في ديسمبر أن صعوبة تأمين مواد مثل الليثيوم والكوبالت والتيلوريوم والنحاس يمكن أن تعرقل التحول إلى طاقة أنظف.
تُظهر البيانات الجديدة الصادرة عن هيئة المسح الجيولوجي الأميركية سبب تضخيم بعض هذه المخاوف. ففي كل عام، تقوم هيئة المسح الجيولوجي الأميركية بتحليل كل سلعة على وجه الأرض تقريباً، من خام الحديد إلى الإنديوم والبلاديوم إلى الخث (السماد)، لمعرفة ما إذا كان الإنتاج كافياً لتلبية احتياجات العالم - وعلى وجه الخصوص، احتياجات أميركا.
تظهر أحدث الأرقام طفرة في إمدادات العديد من أهم المعادن لانتقال الطاقة. فقد ارتفعت احتياطيات الليثيوم بنسبة 18% عن العام الماضي، بينما شهد الكوبالت ارتفاعا بنسبة 9.2%. وشهدت الأتربة النادرة، التي تحتوي على مجموعة من التطبيقات عالية التقنية بما في ذلك المغناطيس في محركات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح، ارتفاعاً في الاحتياطيات بنسبة 8.3% بعد أن ظلت ثابتة لمدة خمس سنوات على الأقل.
جزء من هذا هو نتيجة حسابية لارتفاع الأسعار الذي دفع كربونات الليثيوم إلى ما يقرب من 80 دولاراً للكيلوجرام (36 دولاراً للرطل) العام الماضي، من نطاق يتراوح بين 10 دولارات للكيلوجرام إلى 20 دولاراً للكيلوجرام من قبل. تقيس «الاحتياطيات» المعادن التي يمكن استخراجها بشكل مربح، لذلك عندما تزيد توقعات الأسعار، ستنمو قاعدة الاحتياطي أيضاً. ومع ذلك، فإنها تأتي في الغالب من خروج عمال المناجم والقيام بما يفعله عمال المناجم عندما تبلغ أسعار سلعهم في السوق مستويات مرتفعة للغاية: إزالة الغبار عن النتائج الجيولوجية القديمة وحفر الصخور للعثور على رواسب جديدة.
هذه العملية مدعومة بالمبالغ المالية التي تدفقت على المواد المستخدمة في صناعة البطاريات في السنوات الأخيرة مع تنامي المخاوف من شح العرض. إن الأحجام الصغيرة التي تدخل في عناصر مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل المستخدم في البطاريات تعني أن شركات التعدين الكبرى تميل إلى تجاهلها للتركيز على التدفقات النقدية الهائلة التي يمكن توليدها من خام الحديد والنحاس والألمنيوم و (حتى وقت قريب) الفحم.
وبدورها، تدخلت شركات السيارات، التي لديها الكثير لتخسره من نقص الإمدادات. خلال الآونة الأخيرة استثمرت شركة جنرال موتورز 650 مليون دولار في «مشروع ليثيوم الأميركتين»، الذي تأمل في إنتاج 80 ألف طن متري من كربونات الليثيوم من منجم في ولاية نيفادا - أي ما يعادل أكثر من 10% من الإنتاج العالمي وفق بيانات العام الماضي. في غضون ذلك، أعادت شركة تسلا تشكيل مكونات بطارياتها بحيث لا تحتوي نصف سياراتها على الكوبالت أو النيكل على الإطلاق، مما يساعد على تقليل الطلب حتى مع زيادة العرض. وفي العام الماضي، جادل بنك جولدمان ساكس بأن طفرة مواد البطاريات قد بلغت ذروتها بالفعل، ومن المرجح أن تدفع استثمارات العرض الضخمة الأسعار إلى الركود حتى النصف الثاني من هذا العقد.
نفس الأمر ينطبق على تأثير كل هذه المواد على مورد آخر غير متجدد - قدرة الغلاف الجوي على تحمل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. إن بناء كل البنية التحتية لقطاع الطاقة اللازمة لمنح العالم فرصة بمقدار الثلثين للحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية سيستخدم ما بين 1% و 9% من ميزانية الكربون في العالم، وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة العلوم «جويل» Joule الشهر الماضي من قبل باحثين بقيادة «سيفر وانج» من معهد «بريك ثرو» Breakthrough، وهو مركز أبحاث أميركي معني بالمناخ. في 84% من السيناريوهات التي فحصها الباحثون، فإن جميع توربينات الرياح، وقواعد الأسمنت، والألواح الشمسية، والأطر الفولاذية التي تم تركيبها حتى عام 2050 ستستهلك ما يقرب من ستة أشهر من الانبعاثات الحالية، مع إزالة الكربون عن قطاع يمثل ما يصل إلى 40% من التلوث الكربوني السنوي لدينا.
المخاوف من النقص الكارثي ليست نبوءة بالموت بقدر ما هي تصحيح يضمن إجراء الاستثمارات الصحيحة لضمان تلبية العرض للطلب بشكل دائم. حتى التحول مرة واحدة في التاريخ إلى طاقة منخفضة الكربون لن يكون كافياً لكسر هذه القاعدة الأبدية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»