تنفيذ بيان اجتماع العقبة
مع أن الاجتماع الفلسطيني الإسرائيلي يوم الأحد الماضي في مدينة «العقبة» الأردنية قد خرج ببيان مشترك يتعهد من خلاله الجانبان بـ«خفض التصعيد ومنع المزيد من العنف» و«التزام الطرفين بجميع الاتفاقات السابقة بينهما»، إلا أن عدم ثقة الشارع الفلسطيني بوجود اتفاق أمني دون اتفاق سياسي قد عكس حالة من خيبة الأمل أن يحقق ذلك الاتفاق أي شيء يذكر على وضعية التصعيد والغليان في الضفة الغربية.
الجهود الدبلوماسية الأردنية التي رافقتها جهود دبلوماسية مصرية وأميركية لجلوس الطرفين في العقبة وتبادل التعهد لحفظ الأمن، كانت تسعى في الأساس أن يكون اجتماع العقبة هو زحزحة فعلية في مفاوضات السلام وتحريك عجلتها مرة أخرى باتجاه «حل الدولتين»، إلا أن رفض جميع الفصائل الفلسطينية في غزة باستثناء حركة «فتح»، لهذا الاجتماع، وصدور بيانات وتصريحات من الجانب الإسرائيلي باستمرار عمليات الاستيطان والاقتحامات، قد يدفع لضياع تلك الجهود المضنية لتقريب وجهات النظر وضياع فرصة إيجاد أرضية مشتركة للانطلاق منها نحو التهدئة الشاملة التي قد تؤدي إلى حل سياسي نهائي يقود إلى حل الدولتين.
لا شك أن الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي لا يمكنهما رؤية الأفق السياسي وراء اجتماع العقبة، وهو الاجتماع الأول بين الجانبين منذ سنوات، حيث توقفت مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ العام 2014، فالفلسطينيون يريدون تعهداً إسرائيلياً قطعياً بوقف الاستيطان ووقف المضايقات في حق الأسرى في السجون وكذلك وقف الاقتحامات والعنف المتزايد في الضفة الغربية، وكذلك تعهداً بجدول زمني للاتفاق السياسي النهائي لحل الدولتين، وكذلك يرى الإسرائيليون، ومنهم مسؤولون رفيعو المستوى في الحكومة الإسرائيلية، أن ما جرى في «العقبة» سيبقى في العقبة، وأنه لن يتم تجميد الاستيطان أو وقفه بأي حال من الأحوال!
ما تحتاجه كل من الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية بشكل عاجل الآن هو إقناع الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي، وكذلك الجهات والشخصيات الرافضة في الجانبين، بأن اجتماع العقبة قد يكون هو الأفق السياسي الوحيد المتاح للحصول على السلام الذي يتوخاه المجتمع الدولي، وأن استعراض العضلات السياسية، سواء من الجماعات الإسلامية في غزة من جهة، أو من الفكر السياسي اليمني المتطرف في الجانب الإسرائيلي الذين يصرّون على الاستيطان والاقتحامات، من جهة أخرى، سوف يؤدي بلا شك إلى المزيد من العنف، خاصة بعدما حدث في نابلس، وفي ظل اقتراب شهر رمضان المبارك.
وجهة نظري أن عمل الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية لتنفيذ اتفاق العقبة يجب أن يكون قوياً ومؤثراً ويستدعي الجلوس مع كافة الجهات الرافضة لبيان الاتفاق وإقناعهم بأن هذه الفرصة المتاحة قد لا تعود في الأفق القريب، وكذلك لابد أن تتحرك الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بسرعة أكبر للمزيد من الاحتواء وضمان تنفيذ اتفاق العقبة، حتى لو استدعى الأمر إرسال قوات دولية تقف بين الجانبين وتمنع التطاول والعنف وتساهم في التهدئة الشاملة، التي يفترض أن تستمر لمدة ستة أشهر، ويتسنى خلالها للسياسيين وضع النقاط الأخيرة لاتفاق سياسي يتناغم مع مبادرة السلام العربية والجهود الدولية لحل الدولتين.
أعتقد أن الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريس»، وحسب خطابه أمام «لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف»، قبل مدة وجيزة، يؤمن بضرورة وقف الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما يؤمن بضرورة وقف التحريض على العنف والإرهاب، وأن تصريحات «غوتيريس» بأن «كل مستوطنة جديدة هي عقبة إضافية على طريق السلام. وكل نشاط استيطاني هو غير قانوني بنظر القانون الدولي ويجب أن يتوقف. وأن التحريض على العنف هو طريق مسدود. ولا شيء يبرر الإرهاب الذي يجب أن يكون مرفوضاً من جانب الجميع» تشي كلها بضرورة وأهمية أن تضطلع الأمم المتحدة بدور أكبر في هذه المرحلة بالذات، قبل فوات الأوان.
مما لا شك فيه أن ضياع فرصة تنفيذ اتفاق العقبة، سوف تفوت على الجميع أية فرص أخرى محتملة وسيتحول التصعيد الخطير الحالي في الأراضي الفلسطينية ليصبح «قنبلة موقوتة» تنفجر في أي وقت، والخسارة لن تكون فلسطينية فحسب، بل هي خسارة إسرائيلية كبيرة، وكذلك خسارة دولية تنسف كافة الجهود السابقة التي بدأت منذ أوسلو عام 1993 بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ولن تكون مجرد موجات غضب فقط، بل ستصل إلى مرحلة اللاعودة التي تعني موت عملية السلام للأبد. لذا، فإن ما حدث في العقبة، يجب أن ينتقل فوراً إلى الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي ويلتزم الجميع بتنفيذه، ليس برعاية أردنية مصرية أميركية فحسب، بل برعاية واهتمام وحرص المجتمع الدولي بأسره.
* لواء ركن طيار متقاعد