بالونات وبالونات وبالونات
الأزمة الأوكرانية كانت العنوان الرئيس لمؤتمر ميونيخ للأمن في نسخته الأخيرة مع حضور سياسي لافت لأزمة البالونات فوق كندا وشمال الولايات المتحدة، وكذلك معضلة إيصال المساعدات الإنسانية لمنكوبي الزلزال في شمال سوريا، حيث تنازع الحاضرون الموقف من أبعاده السياسية ومتناسين أبعاده الإنسانية والاخلاقية. لوهلة أخذ بُعد البالونات ما تجاوز الأزمة الأوكرانية والكارثة الإنسانية في كل من تركيا وسوريا، خصوصاً بعد تردد واشنطن في التعاطي معها من منظور المخاطر الأمنية (طبيعة حمولة هذه المناطيد)، أما سياسياً، فطبيعة الرد «المتناسب» وذلك الانتهاك الصارخ لسيادة الأجواء الأميركية من قبل بكين (بحسب التصريح الرسمي الأميركي).
ورغم مستوى التصعيد في اللغة الدبلوماسية بين واشنطن وبكين مع تكرار ظهور أكثر من جسم مُحلق في الأجواء الكندية والأميركية، مما أعاد للمشهد فرضية زوار الفضاء، وذلك نتيجة حالة الالتباس في التصريحات الرسمية الأميركية، فإن التطورات اللاحقة أثبتت بالتوافق بين العاصمتين ضرورة احتواء التصعيد الدبلوماسي، خصوصاً وأن الجسمين الآخرين لم يكونا إلا بالونات مملؤة بالغاز قد يكون مصدر إطلاقها الأراضي الكندية والأميركية أو أحد جيرانهما الأقربين.
أما ميونيخ، فقد شهدت على عجز الدبلوماسية الدولية في التعبير عن موقف إنساني وأخلاقي من معاناة الإنسان السوري نتيجة لغياب الإرادة السياسية الدولية، فالعبثية اللامسؤولة هي ما قاد لذلك الواقع المزري، وها هي تتعمق نتيجةً للكارثة الإنسانية وعبثية الاحتكام للتوازنات الدولية والإقليمية، وغياب إرادة سياسية سورية على أسس وطنية وقادرة على تبني رؤية انتقالية للخروج من الأزمة.
العام الجديد، لم يأت بغير تعميق مستويات البؤس والقلق من المستقبل لدى عموم شعوب العالم، فالنظام الدولي الذي تبارى الجميع تبشيراً وتحذيراً، ما هو إلا تعميق لحالة فشل الأقطاب الدولية الكبرى في التعاطي بمسؤولية لواقع التحديات الكبرى الناجمة عن استمراء حالة عدم الاستقرار العبثي انطلاقاً من حاكمية «قابلية أقصى حدود الاستنزاف للخصم/ الخصوم في جغرافيا غير متصلة بعمقها الاستراتيجي».
بلوغ التوافقات الإقليمية المستهدفة لن تتحقق في ظل «الاستسلام» لفرضية غياب الإرادة الدولية، والتوازنات الدولية المطلوبة لن تتحقق نتيجة غياب إرادة إقليمية قابلة للاستدامة أو فرضها بإرادة وتوافق إقليمي. لذلك سوف يتوجب على الإرادات الإقليمية اجتراح مقاربات مماثلة للمواثيق الإبراهيمية مهما عظمت تحدياتها، ويبدو أن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى مسقط هي أحد المداخل المحتملة لإدرك ضرورة إعادة صياغة الموقف الإقليمي من خلال سوريا، وذلك عبر تأطير مخرج ولو مرحلي من الأزمة (أي تجسيد إرادة وطنية قبل سياسية)، وعندها قد نجدنا أمام أكثر من خيار لتوافقات إقليمية ودولية.
عُمان لم تقاطع القاهرة على خلفية زيارة الرئيس أنور السادات لإسرائيل وتوقيعه معاهدات كامب ديفيد، ولم تقدم كذلك على مقاطعة عاصمة عربية أوغير عربية نتيجة تباين أو اختلاف سياسي مهما عظُم ذلك التباين، كذلك بات لزاماً تعظيم حضور الجهد الدبلوماسي والاستثمار فيه بدل تعظيم مساحات التباين الإقليمي. لذلك من الأجدى مغادرة فضاء بالونات الاختبار الدولية، فهي مجرد بالونات كما اتضح وليس مركبات قادمة من الفضاء.
*كاتب بحريني