البنك الدولي.. ريادة منتظرة في التصدي لتغير المناخ
الوقت ينفد من البنك الدولي كي يتصدى لدور الريادة الذي يتعين عليه الاضطلاع به في تغير المناخ. ويتعين على جميع بنوك التنمية متعددة الجنسيات بذل المزيد، لكن البنك الدولي متخلف عن الركب بخاصة ومازال غير متوافق مع اتفاقية باريس للمناخ. والجيد في الأمر أن ما يجب تغييره في البنك واضح، وأنه يتحرك في الاتجاه الصحيح. لكن يجب أن يتحرك بجرأة أكبر وبسرعة أكبر. ومهمة البنك الدولي المحورية، وهي الحد من الفقر وزيادة التنمية الاقتصادية، يهددها بشدة تغير المناخ. ومع اشتداد الاحترار وتفاقم الطقس المتطرف، سيعاني العالم النامي بشكل متزايد أسوأ الأضرار، مما يجعل من الصعب على البلدان تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبجعله الحصول على طاقة نظيفة يعتمد عليها وميسورة التكلفة من صميم عمله يستطيع البنك أداء مهمته المتمثلة في دعم التنمية الاقتصادية وتحسين الحياة.
صحيح أن دولاً نامية كثيرة تحرص على التخلي عن الوقود الأحفوري، فإنها لا تحصل على الدعم الذي تحتاجه من البنك الدولي وبنوك التنمية الأخرى. وفي قمة المناخ للأمم المتحدة (كوب27 ) التي انعقدت بمصر في نوفمبر 2022، كانت إحدى نقاط الإجماع القليلة هي حاجة بنوك التنمية إلى دمج إلحاحية العمل المناخي بشكل كامل في نماذجها للإقراض.
وفي الفترة التي سبقت القمة، أوصت دول مجموعة العشرين بإجراء تغييرات على بنوك التنمية تيسر تدفقات رأس المال للمشروعات المتعلقة بالمناخ. وقبل أشهر، قدمت الجماعات الرائدة في الدفاع عن البيئة توصياتها الخاصة للتغيير. وبالنسبة لأي مؤسسة كبيرة، من الصعب التكيف مع المشهد المتغير. لكن تاريخ البنك الدولي الذي ظهر إلى الوجود للمساعدة في إعادة بناء البلدان التي دمرتها الحرب العالمية الثانية يظهر قوة بنوك التنمية متعددة الجنسيات في مواجهة التحديات العالمية.
ولا يوجد تحدٍّ أكبر من تغير المناخ، كونه يتطلب مزيداً من التعاون والتنسيق الدوليين. وهناك تداخل واسع في التغييرات التي تدعو إليها الجماعات المدافعة عن البيئة واقتصاديون، مثل «لاري سمرز» وقادة المؤسسات المالية الكبرى ومبادرة «بريدجتاون» بقيادة رئيسة وزراء بربادوس «ميا موتلي» والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يخطط لعقد قمة لاتفاق مالي عالمي جديد في يونيو المقبل.
ويمكن اتخاذ بعض الخطوات على الفور، مثل توفير البيانات التي تجمعها بشأن مخاطر الائتمان للمستثمرين الخارجيين، وهو أمر يجب على جميع بنوك التنمية القيام به مما يساعد المستثمرين على تقييم الفرص في البلدان التي يفتقرون فيها إلى الخبرة. لكن هناك حاجة إلى مزيد من التغييرات الأساسية، وهي تنقسم إلى فئتين رئيسيتين: الطموح والمخاطرة. أولاً الطموح: فقد وافق البنك الدولي على توجيه 35 بالمئة من تمويله للمشروعات المتعلقة بالمناخ بحلول عام 2025.
وهذه خطوة إلى الأمام، لكنها ليست كافية. واستهدف البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنوك تنمية أوروبية تخصيص 50 بالمئة للمشروعات المتعلقة بالتنمية. وقدمت 550 مؤسسة مالية تتألف من تحالف جلاسكو المالي لصافي صفر كربون، بالإضافة إلى آلاف الشركات والمدن والمنظمات الأخرى، التزامات طموح نحو صافي صفر. ومن المهم أن يحذو البنك الدولي حذو هؤلاء من خلال تحديد أهداف استثمارية أعلى، وتخصيص جزءا أكبر من رأس ماله للعمل، بما يتماشى مع اتفاقية باريس، وتعزيز رأس مال القطاع الخاص الذي يحشده.
والحقيقة أنه إذا لم تغير الأسواق الناشئة والبلدان النامية أنظمتها للطاقة، فلن يتمكن العالم من تحقيق أهدافه بموجب اتفاقية باريس. ولن يتحقق هذا التحول من دون قدر هائل من الاستثمار في الطاقة الجديدة لا يستطيع القطاع العام ولا الخاص كل منفرد توفيره. صحيح أن البنك الدولي توقف عن الاستثمار في محطات الفحم، لكنه ما زال يدعم بناء محطات الغاز، دون اعتماد جداول زمنية لانتقال الطاقة.
ثانياً المخاطرة: في العالم النامي، قد تواجه مشروعات الطاقة النظيفة عدداً من العقبات قد يراها مستثمرو القطاع الخاص شديدة الخطورة مثل؛ التصنيف الائتماني الضعيف والمخاوف بشأن الاستقرار المالي أو السياسي للدولة، وعدم اليقين بشأن أسعار الصرف والخوف من التضخم. لكن يمكن التغلب على هذه العقبات إذا تم استخدام تمويل القطاع العام كشكل من أشكال التأمين لمستثمري القطاع الخاص، عن طريق تقليص مخاطر الخسائر. ويمكن القيام بذلك، على سبيل المثال، من خلال جعل البنك الدولي هو الأول أو الثاني في قبول الخسائر إذا ثبت عدم نجاح الاستثمار، أو عن طريق ضمان القروض. ويتمتع البنك الدولي بالفعل بخبرة عميقة في تقديم ضمانات لدعم الاستثمار العام والخاص في البلدان النامية.
ويتعين عليه فحسب بذل المزيد. والهدف الأساسي من وجود بنك ممول من القطاع العام هو تحمل المخاطر التي لن يغامر القطاع الخاص بتحملها، ولتحقيق هدف يحمل منافع عامة واسعة النطاق. ويرى منتقدون أن مستثمري القطاع الخاص يجب ألا يكون بوسعهم نقل خسائرهم إلى البنك الدولي. وبالتأكيد يجب أن يكون هناك حواجز حماية.
لكن هذا النقد يتجاهل جميع المنافع العامة التي تأتي مع قبول درجة أعلى من التسامح مع المخاطر، ويفترض أن مستثمري القطاع الخاص يقبلون مخاطر أعلى لمجرد أن الجمهور يحتاج إليها. وهذا ليس العالم الحقيقي الذي توجد به قيود تنظيمية وائتمانية وغيرها من القيود الملزمة. والحوافز ضرورية ويمكنها ضخ تمويل هائل، نظراً لبحث مئات المؤسسات المالية العالمية عن فرص استثمارية تتماشى مع التحول إلى صافي الصفر.
وبالطبع، يود البنك الدولي أن تمنحه الدول رأس المال أكبر لتمويل المشروعات الخضراء. والحصول على تمويل أكبر ضروري، لكن يجب أن يكون مصحوباً بالتزام من البنك للاستفادة منه بقوة أكبر، ولحشد مزيد من رأس المال الخاص. وسيتطلب كل مجال من هذه المجالات إصلاحات في الطرق التقليدية لممارسة الأعمال التجارية، وإحداث هذا النوع من التغيير في مؤسسة كبيرة ليس بالمهمة اليسيرة. لكنه واجب وممكن. فقد ظهر البنك في كنف القيادة الأميركية، ومن الضروري أن تقود واشنطن مهمة تغييره، حتى يتمكن من الارتقاء إلى مستوى التحدي الملحمي الذي يواجه جيلنا، تماما كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية. *المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بالطموح والحلول المناخية، ورئيس مجلس ابتكار الدفاع.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنيج آند سينديكيشن»