منذ بدا أن الدعم الغربي لأوكرانيا قد جعلها تصمد في ميدان القتال، بل وتُحقِّق بعض الإنجازات التي فتحت البابَ للحديث لدى البعض (بمن فيهم مسؤولون أوكرانيون) عن إمكانية هزيمة روسيا، بدأت التلميحات في مصادر رسمية روسية إلى قوة روسيا النووية وإلى استعدادها لكافة الاحتمالات.. بما أعطى الذريعةَ للدوائر الغربية للقول بأن القيادةَ الروسية لن تتردد في استخدام السلاح النووي لضمان عدم هزيمتها في الحرب! وبالمقابل جاءت التأكيدات الروسية بأن استخدام روسيا لقدراتها النووية لا بد وأن يتم وفقاً للعقيدة النووية الروسية ذات الطابع الدفاعي. غير أن إثارة الموضوع مجدداً جاءت مؤخراً من مصدر روسي رفيع هو ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الذي علَّق على دعم حلف «الناتو» للجيش الأوكراني بأسلحة نوعية حديثة. وكان الأمين العام للحلف قد أكد مؤخراً أن دولاً غربيةً سترسل لأوكرانيا شحناتٍ جديدةً من الأسلحة الثقيلة، وأن هذه التعهدات مهمة، وأنه يَتوقع المزيدَ منها في المستقبل القريب. ومن هنا كتب ميدفيديف على تيليجرام يقول إن القوى النووية لا تخسر أبداً في صراعات كبرى يتوقف عليها مصيرها. وعززت مصادر الكرملين ما كتبه ميدفيديف بالقول إن هذه التصريحات تتفق تماماً وعقيدة موسكو النووية. 
ولنحاول فهمَ دلالات تجدد الحديث عن البعد النووي في الصراع الراهن في أوكرانيا، ففي الوقت الذي يبدو فيه وكأن الدعمَ الغربي لأوكرانيا قد ساعدَ على صمودها بوجه القوات الروسية، بل وتحقيق إنجازات ما في مواجهتها، نجد أن العملية العسكرية الروسية ما زالت مستمرةً بل وتطور من أساليبها وتحقق إنجازات، وإن يكن ببطء ملحوظ تَذكر بعضُ التقارير أن القوات الروسية في طريقها للتخلص منه. وفي هذه الظروف يأتي الحديث الأميركي والأطلسي عن تزويد أوكرانيا بنوعيات جديدة من الأسلحة من شأنها إحداث نُقلة نوعية في الأداء الأوكراني، وربما تكون القيادة الروسية قد أرادت قطع الطريق على هذه التصورات الغربية من البداية، بمعنى أنه إذا كان البعض يتصور أن إرسال نوعيات جديدة أكثر فتكاً من الأسلحة إلى أوكرانيا من شأنه أن يحقق لها النصر في الحرب فهو واهم، لأن القوى النووية بفرض أنها ستكون في صراع ما على وشك الهزيمة يبقى لها خيارها النووي في هذه الحالة. وبعبارة أخرى فإن الرسالة الروسية للغرب هي أنكم حتى لو تصورتم إمكانية هزيمتنا فنحن قادرون على على حسم المعركة نووياً. والواقع أن آفاقَ الحالة الراهنة، إذا سارت التطورات كما يشتهي الغرب، أي إذا بدا وكأن روسيا في طريقها لخسارة المواجهة، فإن هذا يوفر شرطاً من شروط استخدام الخيار النووي وفقاً للعقيدة النووية الروسية، وهو الشرط الأخير ونصه: «وقوع عدوان على الاتحاد الروسي بأسلحة تقليدية يجعل وجود الدولة ذاته مهدداً». ولا ننسى أن وجهة النظر الروسية تعتبر إقليم الدونباس الآن جزءاً لا يتجزأ من أراضي روسيا. صحيح أن تحرير القوات الأوكرانية له لا يعني خطراً داهماً على كيان الدولة الروسية، لكنه سيعَدُّ هزيمةً تهدد النظام السياسي لروسيها وأمنها واستقرارها. ومن هنا وجب، حسب وجهة النظر الروسية، استبعاد هذا الاحتمال ولو باللجوء للخيار النووي.
ومع أن احتمالات الهزيمة الروسية ما زالت مستبعدةً، فإن القيادةَ الروسيةَ وجدت من الضروري أن تؤكد أنها حتى لو وقعت بالمعنى التقليدي فإن وقوعها مستحيل بإدخال السلاح النووي في المعادلة، وإذا وصلت التطورات إلى هذا الحد لا قدر الله فلا شك أن البداية ستكون بالأسلحة النووية محدودة القدرة التدميرية، لكن الأمل ما يزال قائماً في الاستماع لصوت العقل.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة