بامتداد عامين
كل عام والعالم وخَلق الله أجمعين بألف ألف خير. عندما شرعت في كتابة هذا المقال، وكان ذلك في آخر أيام عام 2022 لينشر في اليوم الأول من عام 2023، كان آخر خبر قرأته هو رحيل الإعلامية الأميركية باربرا ولترز. بالتأكيد إن ذلك من الأخبار وغيرها كثير سيمر بنا قبل قراءة هذا المقال في اليوم الأول من العام الجديد، بعضها سيستوقفنا للحظة، وأخبار أخرى سنمرعليها مرور الكرام.
انشغل كافة قراء وصناع السياسة بثلاثة أمور ونحن نجتهد في مغادرة واقع ما خلفته جائحة كوفيد-19، إلا أن الواقعية السياسية هي التي أعادت الأمور إلى نصابها على خلفية الأزمة الأوكرانية. فالنفط لم يعد القاتل البغيض، ومرارة البرد أمضى إيجاعاً من صواريخ بوتين، وجائحة كوفيد-19 عادت من جديد لتذكر الإنسان بمخاطر استدامة سوء التقدير.
هل سيتعظ كبار العالم من دروس 2022؟ بالتأكيد لا، وهل سيتبنى الصغار شعار تغير واقعهم بدل الاستسلام لقبح الواقعية السياسية التي تفرضها التوازنات الكبرى؟ هناك الكثير من النماذج المحفزة على مغادرة مربع المظلومية مثل روندا، فهي اليوم أنموذج لإرادة صناعة التحولات الكبرى وطنياً.
هل تكمن المعضلة في الإرادة البشرية، أم أن هوية البؤس البشري هي نتاج للهيمنة التي يمارسها الكبار تحت عناوين كبرى وأخرى فرعية مثل استحقاقات تاريخية كُيفت لتخليق واقع آخر لا يتصل بالمستقبل؟
عودة استحكام الجائحة بالصين قد تقود لاختلالات غير مسبوقة اجتماعياً واقتصادياً، فالعالم اليوم يعاني حالة إدمان غير مسبوقة في اتكاله على الاقتصاد الصيني. فعندما تمرض الصين يمرض العالم، وعندما تتعافى، يتعافى العالم. فهل ستمثل حالة التكافل هذه منطلقاً لتصورات أو تفاهمات قد تؤسس لجسور تحد من مستوى الأزمات التي يعيشها العالم؟
لا يوجد أخيار وأنقياء في عالم التزاحم الشرس على النفوذ من قبل الكبار، واليوم ما يسفك من دم على محراب الديمقراطية لم تسفكه كافة الديكتاتوريات. إبان الثمانينيات من القرن الماضي رفع شعار «ليس بالكلاشنكوف وحده يحيا الإنسان»، في إشارة واضحة إلى ضرورة تغير أدوات الصراع العربي الإسرائيلي. للأسف فرط العرب في الفرصة، وفضلت الغالبية شعار «نموت واقفين ولن نركع»، والمحصلة المزيد من البؤس وخسارة أرض.
إن أردنا صناعة واقع مغاير، فعلينا إعادة اكتشاف ماهية ذواتنا إنسانياً كما فعل الراونديون، بدل افتراض أن كافة الحلول تأتي من الخارج. الفيلسوف الإغريقي ديوجين لم يهرول مفجوعاً وقت الظهيرة وبيده شمعة ليبحث بين الوجوه عن صديق، بل عن أمل في شكل إنسان في زمن احتكم فيه البشر للعبثية. والعبثية البشرية لطالما قادت لمخاضات كبرى، ونأمل أن تقود الحالة المستحكمة من العبثية لشكل من أشكال العقلانية في وقت لاحق من هذا العقد أو ما يليه. وداعاً باربرا ولترز، كان لابتسامتك المصاحبة لأسئلتك دلالة على شخصك وشخصيتك مهما كان موضوع النقاش، وكم كنت أنيقة دائماً.
* كاتب بحريني