أوروبا وروسيا.. هل يمكن إعادة بناء جسر الطاقة؟
في تجمع صناعي نظمه «معهد أكسفورد لدراسات الطاقة» الأسبوع الماضي، سُئل حشد من المديرين التنفيذيين وواضعي السياسات والمستشارين عما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيعمل مرة أخرى على جعل روسيا المورد الرئيسي للغاز. أظهر الاستطلاع المبدئي انقساماً بنسبة 40% -40%، بينما كانت البقية مترددة. أنا مع حشد «نعم» - حتى لو بقي فلاديمير بوتين في الكرملين.
بقدر ما تعهد القادة الأوروبيون بأنهم لن يعودوا إلى العمل كالمعتاد بعد الحرب في أوكرانيا، فإن الحقائق التي لا مفر منها للجغرافيا والأسواق يمكن أن تتفوق حتى على صانعي السياسة الأكثر تصميماً. سواء حدث ذلك أم لا، فإنه لا يهم فقط أسواق الطاقة الأوروبية - وشركاتها الصناعية العملاقة - ولكنه أيضاً مهم لمستقبل استثمارات الغاز في بلدان من قطر إلى موزمبيق ومليارات الدولارات من منشآت تصدير الغاز أصبحت على المحك.
أولاً، فلنعد إلى التاريخ. قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، زودت موسكو أوروبا بنحو 40% من الغاز الذي تستهلكه. لقد صمد جسر الطاقة، الذي تم بناؤه على مدى عقود، في مواجهة أبرد فترات الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفييتي، وتحرير أسواق الطاقة الأوروبية. كل شيء تغير في فبراير 2022، إذ تحول الغاز إلى سلاح، وقطعت روسيا الصادرات إلى الدول الأوروبية الواحدة تلو الأخرى، على أمل كسر وحدة الكتلة المؤيدة لأوكرانيا. لا تزال المنطقة تشتري الكثير من الغاز الطبيعي المسال الروسي، لكن صادرات خطوط الأنابيب تراجعت. ستنخفض حصة الغاز الروسي في مزيج الطاقة الأوروبي في عام 2023 إلى أقل من 10%.
وبينما قام الاتحاد الأوروبي بحظر واردات النفط من روسيا، فإنه لم يفعل الشيء نفسه مع الغاز الروسي. ومع ذلك، قامت وكالة الطاقة الدولية بوضع سيناريو يُظهر أن تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا تنخفض إلى حد ضئيل بحلول عام 2025 وإلى الصفر بحلول عام 2028، من خلال مزيج من واردات الغاز الطبيعي المسال وزيادة الإنتاج من مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وقالت الوكالة إنها تفترض أن انهيار تجارة الغاز الروسية -الأوروبية سيكون «دائماً». في العواصم الأوروبية يصر المسؤولون على أنهم تعلموا الدرس. قال وزير الطاقة النمساوي، ليونور جوسلر، أواخر الشهر الماضي: «سنكون أحراراً حقاً فقط عندما نتمكن من الاستغناء عن الغاز الروسي تماماً». وفي الشهر الماضي، قال مايكل كريتشمر، حاكم ولاية ساكسونيا الألمانية والسياسي المحافظ البارز، إن الاستمرار إلى الأبد من دون الغاز الروسي سيكون «بمثابة جهل من الناحية التاريخية وخطأ من الناحية الجيوسياسية».
بالنسبة للعديد من السياسيين الألمان، تعتبر الأسعار مهمة. تدفع برلين حالياً 140 يورو (180 دولاراً) لكل ميجاواط/ ساعة لاستيراد الغاز، أي حوالي سبع مرات أكثر من المتوسط المسجل خلال الفترة من عام 2010 إلى عام 2020. ولحماية المستهلكين والشركات، تنفق ألمانيا المليارات في شكل إعانات. يعطي تاريخ النفط أمثلة على بعض العودة غير المتوقعة. خذ العراق على سبيل المثال. فرضت الأمم المتحدة حظراً كاملاً على النفط العراقي بعد أربعة أيام من غزوها للكويت في أغسطس 1990. وحتى بعد هزيمة الولايات المتحدة لصدام حسين بعد ذلك بعام، أصرت واشنطن على الإبقاء على الحظر لحرمانه من وسائل شن حرب أخرى. وفي عام 1996، رفعت الولايات المتحدة الحظر، واستبدلته بنظام يُعرف باسم النفط مقابل الغذاء، مما سمح لصدام باستخدام عائدات مبيعات النفط الخام لتلبية الاحتياجات الإنسانية. بحلول عام 2001، كانت الولايات المتحدة تستورد نفس كمية النفط الخام العراقي التي كانت تستوردها في أوائل عام 1990 - كل ذلك بينما ظل صدام في السلطة في بغداد. هل يمكن أن يحدث الشيء نفسه مع الغاز الروسي؟ من المحتمل.
ربما لن تعود أوروبا أبداً إلى نفس العقود طويلة الأجل التي كانت تبرمها في الماضي مع روسيا، وربما ستحتاج إلى استيراد كميات أقل من الغاز مع مرور الوقت بفضل الطاقة المتجددة. ولكن إذا كانت تريد الاستمرار في جعل صناعاتها الكيميائية والغذائية والثقيلة قادرة على المنافسة، فستحتاج إلى بعض الغاز الرخيص.
ولا يوجد غاز أرخص لأوروبا من غاز روسيا. من بعض النواحي، قد تصر كييف على أن تشتري أوروبا الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب التي تمر عبر أوكرانيا من الشرق إلى الغرب.
وكجزء من أي اتفاقية سلام، ربما يتعين على روسيا المساهمة في تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا، حيث ستصل قيمة الفاتورة إلى عشرات المليارات من الدولارات، إن لم يكن أكثر. كيف سيدفع الكرملين – أياً كان من يقوده - ثمن ذلك؟ بنفس الطريقة التي دفع بها صدام - والقادة العراقيون المتعاقبون حتى فبراير 2022 - 52.4 مليار دولار بالضبط كتعويضات للكويت: بيع الوقود الأحفوري.
خافيير بلاس*
*كاتب متخصص في شؤون الطاقة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»