الدراسات الإسلامية في الجامعات
إن مسألة إعادة بناء الدراسات الإسلامية إحدى المسائل التي تفرض نفسها بشكل كبير على الجامعات والمعاهد والمراكز الدينية، فلقد أصبحت الحاجة ملحة في استثمار المعارف الإنسانية والعلمية في تنمية الأوطان وبناء الإنسان.
من أجل ذلك نظمت جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية مؤتمراً علمياً دولياً حول «الدراسات الإسلامية في الجامعات: نحو تعزيز قيم المواطنة والتعايش»، بحضور عدد كبير من المختصين والأكاديميين، ولاسيما ممثلي المدارس الدينية الكبرى في عالمنا العربي والإسلامي كالأزهر الشريف و«القرويين» و«الزيتونة» وممثلي جامعات من مختلف دول العالم كالسعودية وموريتانيا والجزائر والبحرين والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وغيرها، وبحضور معالي الشيخ عبدالله بن بيه.
ناقش المؤتمر محاور أساسية عدة تتعلق برؤية ومضمون الدراسات الإسلامية، ومناهج البحث والتدريس في مجال العلوم الشرعية، وسبل إعادة بنائها، وعلاقتها بالعلوم الإنسانية، في زهاء أكثر من ستين ورقة علمية، قدمت أفكاراً رصينة حول تطوير الدراسات الإسلامية برؤية ثاقبة تجمع بين النظر الشرعي والمطلب التجديدي والوصل المعرفي. كما اعتنى المشاركون بإبراز أهمية قيم المواطنة والتعايش، وترسيخها في الدرس الديني، للإسهام في تحقيق السلام والاستقرار في المجتمعات.
إن إعادة البناء في الدراسات الإسلامية ينبغي أن تتم في ضوء الحاجات الواقعية، ومما يمكن اقتراحه في ضوء ذلك: بناء رؤية وطنية دينية، تنبني بها العلاقة مع الأوطان على قيم الحب والوفاء والصدق والأمانة والمواطنة الصالحة. فهي رؤية وطنية ترعى حق ولاة الأمر، وتذود عن حمى الوطن، وتحترم قوانينه، وتجعل مصلحته فوق أي اعتبار، وتحافظ على مكتسباته الفكرية والمادية.
ويستدعي تجديد تطوير الدراسات الإسلامية في الجامعات أن نقدم تفسيراً حضارياً للقرآن الكريم يعتني بالقيم الخلقية وتكون قيمة الرحمة أصلاً في تفسير النصوص الشرعية، إن هذا النهج في التفسير ينظر إلى القرآن نظرة كلية شمولية، تُعين على نقض جملة من القراءات التفسيرية التي تتخذ الاجتزاء مسلكاً لها.
وتستدعي إعادة بناء الدراسات الإسلامية قراءةً جديدة للسيرة النبوية بنفس الرحمة، تعكس قيم المواطنة والتعايش في سيرته - صلى الله عليه وسلم. كما ينبغي إعادة قراءة الفقه وفق واقع «الدّولة الوطنية» أو بعبارة أخرى: الانتقال من «دولة الفقه» إلى «الدولة الوطنية».
نعني بذلك تجديد فهم المادة الفقهية في سياقها التاريخي، من غير إسقاط حرفي لها على الواقع المفارق لذلك السياق الذي أُنتجت فيه. فينبغي مراجعة جملة من المفاهيم التاريخية، كالخلافة، والخليفة، وكجهاد الطلب، والجزية، وأهل الذمة، وغيرها من المفاهيم التي تعد صناعة تاريخية لا تمت للواقع بصلة. كما يجب ضبط مادة مقاصد الشريعة، التي صار التعامل معها أبعد ما يكون عن العلمية، إذ حُصرت في مقولاتٍ هلامية متمددة، لا تنضبط لزمامٍ، ولا تنقادُ لخِطامٍ، حتى اتّخذها كل متلاعب بالشريعة مطية لتحريفاته، وذريعة إلى فاسد تأويلاته.
وتحقيقاً لمطلب التجديد في الدراسات الإسلامية عموماً لابد من فتح باب الاجتهاد بوصل المعارف الشرعية بالعلوم الإنسانية، إحياء لنهج أصيل، كان له الفضل فيما عرفته تلك المعارف من التطور في مراحلها التاريخية، التي كانت فيها الشريعة بالنسبة إلى الحكمة والفلسفة كأختها الرضيعة، فاستنارت أرجاء الكون بضياء العلم.
* كاتب إماراتي