عملية «تقسيم».. خلفيات وتداعيات
مع اعتقال الأمن التركي سورياً اسمه عمار جركس هو العقل المدبر للتفجير الذي أودى بعد ظهر الأحد الماضي بحياة ستة أشخاص وجرح 81 آخرين في شارع الاستقلال المتفرّع من ساحة تقسيم بقلب إسطنبول، أثناء محاولته الهرب إلى بلغاريا، يطرح محللون سياسيون عدة تساؤلات حول الوضع الأمني في تركيا بعد نحو ست سنوات من الهدوء النسبي، وحول مصير «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات القادمة.
ففي الفترة الأخيرة حاربت تركيا بشدة «حزب العمال الكردستاني» في شمال العراق وفي شمال سوريا وداخل تركيا. وفي الوقت الذي يحاول فيه «حزب العدالة والتنمية» كسبَ ثقة المواطنين الأتراك للانتخابات القادمة، تكشف العملية التفجيرية قرب «تقسيم» عن وجود خلل أمني في الداخل التركي. ورغم أن الكثير من المحللين والسياسيين توقعوا أن تنظيم «داعش» الإرهابي يقف وراء العملية، فإن اعترافات المنفذة الرئيسة «أحلام البشير» تشير إلى «حزب العمال الكردستاتي» الذي يخوض تمرّداً مسلّحاً ضد أنقرة منذ عام 1984. وقد نفى الحزب تورطه في تلك العملية، قائلًا في بيان له: «لسنا على صلة بهذا الحادث، ولن نستهدف مدنيين بشكل مباشر، ولا نقبل أعمالاً تستهدف مدنيين بأي شكل من الأشكال».
ومع نجاح السلطات التركية في القبض على العقل المدبر للعملية الإرهابية، وهو الرجل المهم بالنسبة لتنظيم «داعش»، بالإضافة للقبض على 48 آخرين، يشتبه في مساعدتهم لمنفذة العملية، فإن الأيام القادمة ستوضح لنا ردةَ الفعل التركية تجاه ما تعرّضت له إسطنبول، في ظل إدانات دولية وتصريحات من قادة عدة دول أعربوا فيها عن إدانتهم للعملية الإرهابية ودعمهم لتركيا والوقوف إلى جانبها في مواجهة الإرهاب.
وقد يؤدي هذا الهجوم إلى تصاعد في هجوم القوات التركية على مواقع تابعة لـ«حزب العمال الكردستاتي» الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية في شمال الأراضي السورية والعراقية، إذ يطالب الأكراد بتأسيس دولتهم المستقلة ورفضهم للتدخل التركي في شؤونهم الداخلية في سوريا والعراق. وقد اتهمت أنقرة الحزبَ بالتورط في العديد من الجرائم والعمليات الإرهابية التي شهدتها تركيا، وكان من أبرزها الهجوم الذي وقع في عام 2016 باستاد بشيكتاش في إسطنبول، والذي أدى إلى مقتل 47 شخصاً وإصابة 160 آخرين. وأعلنت آنذاك جماعة «صقور حرية كردستان» القريبة من «حزب العمال الكردستاني» مسؤوليتَها عن هذه العملية الإرهابية.
ويرى المحللون أن قوات الأمن التركية، وإن كانت قد فشلت في حماية المناطق الحيوية التي تكتظ بالمئات من المواطنين والسياح، فإنها قد نجحت في تصفية عناصر رئيسة في حزب العمال، حيث جاءت عملية تقسيم الإرهابية بعد أشهر قليلة من توصل عناصر المخابرات التركية إلى مكان عضو حزب العمال الكردستاني «نصرت تيبيش» الذي تم قتله في يوليو الماضي، وهو المتهم الرئيس في تنفيذ هجوم «غونغورن» في إسطنبول عام 2008، والذي نجم عنه وقتها مقتل 18 شخصاً بينهم 5 أطفال. ومن المتوقع في الفترة القادمة أن تقوم القوات المسلحة التركية، في حال إثبات التهمة على حزب العمال الكردستاني، باستئناف شن الضربات على مواقع الحزب، خاصة بعد أن أعلنت وزارة الدفاع التركية في أواخر فبراير الماضي أنها ستكثف خلال الفترة المقبلة عن عملياتها الجوية لاستهداف مواقع المسلحين الأكراد في كل من العراق وسوريا.
*إعلامية وكاتبة بحرينية