الاقتصادات الخليجية وأسعار الفائدة
عمد بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي مرة أخرى، الأسبوع الماضي، إلى رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.75% للمرة الرابعة هذا العام، لتصل إلى 4%، وهو أعلى معدل منذ 13 عاماً، حيث ستكون لذلك تداعيات على مختلف الأنشطة الاقتصادية في دول العالم كافة، بحكم حجم الاقتصاد الأميركي ودور الدولار كأهم عملة عالمية، إذ يرمي بنك الاحتياط من وراء هذه الخطوة إلى كبح جماح ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى أعلى مستوياتها في أربعين عاماً الماضية.
وإثر ذلك سلكت الكثير من البنوك المركزية، بما فيها البنوك المركزية الخليجية، نفس المسلك وقامت برفع معدلات الفائدة على عملاتها بنفس النسبة، حيث ستكون لذلك أيضاً تداعيات قد تختلف قليلاً عن تلك التي حدثت في الولايات المتحدة بعد الارتفاعات المتتالية لأسعار الفائدة، ارتفع الدولار مقابل العملات الأخرى وانخفضت بنسبة كبيرة مؤشرات الأسهم الأميركية، مع بقاء معدلات التضخم عند مستوياتها تقريباً.
ورغم ارتفاع التضخم في دول الاتحاد الأوروبي، فإن البنك المركزي الأوروبي ما زال يقاوم دعوات رفع أسعار الفائدة على اليورو، وهو ما يتناقض مع الأوضاع الاقتصادية العامة في دول الاتحاد، وربما يتسبب في المزيد من الأزمات الاقتصادية والمالية هناك.
وكما هو الحال في كل مرة، وتزامناً مع ذلك، انخفضت أسعار النفط في نفس اليوم متأثرةً بارتفاع سعر الدولار، وذلك قبل أن تعاود الارتفاع من جديد لتتجاوز 98 دولاراً للبرميل، حيث تتأثر الأسعار بمؤشرات أخرى لا تقل أهمية، كالنمو الاقتصادي، وبالأخص الاقتصاد الصيني كأحد أكبر مستهلكي النفط، إذ صدرت بعض المؤشرات الدالة على تعافي الاقتصاد الصيني وتجاوزه قيودَ جائحة «كوفيد19»، مما يعني إمكانية ارتفاع الطلب على النفط.
ولذا، فقد كانت ردود أفعال أسواق المال الخليجية أقلّ حدةً من ردود أفعال الأسواق الأميركية والأوروبية، حيث انخفضت بمعدلات أقل من مثيلاتها الغربية، إذ يفَسر ذلك باستمرار أسعار النفط عند معدلات مرتفعة. وبما أن التوقعات تشير بقوة إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي سيواصل رفع أسعار الفائدة في الأشهر القادمة، كما أشار رئيسه «جيروم بول» بقوله عقب الرفع الأخير: «ما زالت هناك حاجة لمزيد من عمليات رفع الفائدة»، مضيفاً أنه «من المبكر التفكير في وقف الزيادات المقرة لخفض التضخم».
واستناداً إلى قول «جيروم»، فإنه يتوقع أن يرفع بنك الاحتياطي أسعارَ الفائدة مرةً أخرى في شهر ديسمبر المقبل، لكن ربما بمعدلات أقل، مما سيترك تداعيات اقتصادية ومالية ونقدية أخرى في العالم لا بد من الاستعداد لها وتجنب تداعياتها. فالنسبة المستهدفة هي 5.6%، وهي نسبة عالية، خصوصاً بالنسبة للدول التي لا تعاني من مستويات تضخم مرتفعة، كدول مجلس التعاون الخليجي، مما قد يساهم في تراجع معدلات التمويل للقطاعات الاقتصادية بسبب ارتفاع تكاليف التمويل الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة.
لذا، فإنه تكمن أمام دول المجلس في الفترة القادمة مسألة مهمة تتعلق بإيجاد سياسات مالية ونقدية تؤدي إلى التوفيق بين رفع أسعار الفائدة ومتطلبات الأوضاع الاقتصادية والمالية الداخلية، وهي مسالة ضرورية للحفاظ على زخم النمو المتواصل في دول المجلس، والذي يعتبر من أعلى المعدلات في العالم، إذ لا يمكن القول بأن هذه مسألة يمكن التوفيق بين مكوناتها بسهولة، إلا أنه يتحتم اتخاذ إجراءات تحد من تداعياتها لإيجاد الانسجام اللازم بين مكونات الاقتصادات الخليجية، خصوصاً أن ذلك يتزامن مع عمليات طرح اكتتابات أولية نشطة في بعض أسواق المال الخليجية والتي يمكن أن تحد بدورها من انخفاض مؤشرات هذه الأسواق الناجم عن ارتفاع معدلات أسعار الفائدة، مما يعني أن هناك أدوات مالية واقتصادية يمكن أن تساهم في التأقلم بين أسعار الفائدة المرتفعة ومتطلبات الاقتصادات الخليجية في الأشهر القادمة.
*خبير ومستشار اقتصادي