التجديد النصفي وحبس الأنفاس!
ستكون هذه الانتخابات مثيرة لتوتر الأعصاب. واستطلاعات الرأي تشير إلى أن «الديمقراطيين» سيجدون صعوبة في الحفاظ على هامش سيطرتهم الطفيف في مجلسي الكونجرس. وبالإضافة إلى معدلات التأييد المنخفضة للرئيس، وهو مؤشر على عدم رضا جمهور الناخبين، هناك قضايا أخرى مؤثرة. وفي مجلس النواب، لا تبدو آفاق «الديمقراطيين» مشرقة بالمرة.
فإعادة رسم الدوائر الانتخابية للكونجرس التي تتم كل عشر سنوات أزالت بعض المقاعد «الديمقراطية» ووفرت ما يكفي من الدوائر الجديدة «الآمنة» للجمهوريين مما يعطي الحزب الجمهوري ميزة هيكلية في مجلس النواب.
وعلى الرغم من بعض التعبيرات عن أمل «الديمقراطيين» أو تبجحهم، فلا يرجح إلى حد كبير أن يحتفظوا بالسيطرة على مجلس النواب. ولمجلس الشيوخ قصة مختلفة. فمن بين 34 مقعداً يتم التنافس عليها، هناك 13 مقعداً يحتفظ بها «الديمقراطيون»، و21 مقعداً يحتفظ بها «الجمهوريون» وهناك 10 مقاعد غير محسومة الأمر، خمسة لكل حزب.
ومع وجود مجلس شيوخ منقسم بالتساوي، كل ما يجب على الديمقراطيين فعله هو تجاوز التعادل للحفاظ على القيادة. وقبل شهرين، كان «الديمقراطيون» يتمتعون فيما يبدو بميزة حيث أظهر المرشحون الأقوى في مجلس الشيوخ واستطلاعات الرأي أن قضاياهم تلقى صدى لدى الناخبين. وكان «الجمهوريون» قد رشحوا عدداً قليلاً من «منكري الانتخابات» من اليمين المتطرف الذين يؤيدهم ترامب، والذين لهم سيرة ذاتية ليست مثالية.
وبدا أن «الديمقراطيين» سيحتفظون بأربعة من مقاعدهم الخمسة الضعيفة، بينما ينتزعون مقعدا أو مقعدين تحت سيطرة «الجمهوريين» حاليا. لكن في الأسابيع القليلة الماضية، تغير الوضع وأظهرت استطلاعات الرأي احتدام المنافسة. ومئات الملايين من الدولارات أنفقتها الحملات الانتخابية والأحزاب والجماعات الخارجية ما يجعل هذه الانتخابات تأخذ أشد الأشكال تطرفاً.
واستغل كلا الجانبين الخوف، وتقاذفا اللوم. فقد استغل «الجمهوريون» الخوف من التضخم وألقوا باللوم على «الديمقراطيين» في ارتفاع أسعار البنزين والمواد الغذائية. واستغل «الجمهوريون» أيضاً الخوف من الجريمة وألقوا اللوم على «الديمقراطيين» لانتقاداتهم للشرطة.
واستغلوا أيضاً الخوف من الهجرة غير الخاضعة للسيطرة وألقوا اللوم على «الديمقراطيين» في دعم «الحدود المفتوحة» والمهاجرين الذين هم بغير وثائق. و«الديمقراطيون» من جانبهم استخدموا الخوف من أن «الجمهوريين»، سيحظرون جميع عمليات الإجهاض، وألقوا باللوم على «الجمهوريين» في عرقلة تشريعات مراقبة وضبط امتلاك الأسلحة.
واستغلوا أيضاً التخويف من تعرض الديمقراطية للخطر بسبب رفض أنصار ترامب للانتخابات الذين يدافعون عن تمرد السادس من يناير ويضعون العراقيل أمام عمليات التصويت. وعمّقت المبالغ الباهظة التي تم إنفاقها على الإعلان عن هذه الرسائل في جميع أنحاء البلاد الانقسام الحزبي وفاقمت الاستقطاب في بيئتنا السياسية، وخدمت مصالح «الجمهوريين».
ويحمل اثنان من استطلاعات الرأي التي أجريت في الآونة الأخيرة دلائل مفيدة. فقد أظهر أول الاستطلاعين وهو الذي قامت به صحيفة «نيويورك تايمز» وسينا كوليدج، أنه منذ يوليو ارتفعت نسبة الناخبين الذين يعتبرون الاقتصاد والتضخم والجريمة والهجرة «أهم المشكلات» التي تواجه البلاد «إلى 52%، بزيادة 14 نقطة»، والذين ينظرون إلى «الإجهاض أو الديمقراطية أو السلاح» باعتبارها من «أهم المشكلات» انخفضت نسبتهم «إلى 14% نزولا من 26%».
وحدد الاستطلاع الثاني الذي أجراه الحزب «الديمقراطي» استراتيجيته التي تركز على الإجهاض باعتباره القضية الرئيسية لمدى إقبال الناخبين على المشاركة في نوفمبر. وجادل العرض التقديمي بأن «الناخبين الديمقراطيين الرئيسيين» (أي الناخبين الشباب والنساء المتعلمات والأقليات) يدعمون حقوق الإجهاض. وما تم تجاهله هو أن الإجهاض يمثل حالياً أولوية مهمة لنحو 5% فقط من إجمالي الناخبين. ويركز «الديمقراطيون» على الدفاع عن حقوق الإجهاض ويفقدون التأييد، في حين يهاجم «الجمهوريون» ارتفاع كلفة المعيشة ومعدلات الجريمة المرتفعة.
وفي السباقات في جميع أنحاء البلاد، إما أن يتقدم «الجمهوريون» على «الديمقراطيين» أو يقتربوا من تقدمهم؛ لأنهم، حتى لو كان هناك رفض لمرشحي حزبهم، قرروا العودة إلى الاقتراب من الناخبين. وليس الأمر أن حقوق الإجهاض، أو الخطر الذي يهدد الديمقراطية، أو تفشي عنف المسدسات ليست قضايا حرجة تواجه الأمة.
لكن، على الرغم من أهميتها، فهي ليست أهم القضايا في أذهان الناخبين. وكما قال والدي الذي كان بقالاً صغيرا «استمع إلى عملائك وإلا ربما تفقدهم لشخص سيفعل ذلك».
ومع بقاء أسبوع واحد على الانتخابات ونسب التأييد في معظم السباقات الرئيسية متقاربة بدرجة يتعذر معها توقع النتيجة، سيكون الأمر موتراً للأعصاب. فهبوب رياح غير متوقعة في أي من الاتجاهين قد يدفع الناخبين نحو هذه الجهة أو تلك. لكن من المحتمل فيما يبدو أن يحتفظ الديمقراطيون بالسيطرة على مجلس الشيوخ، بينما يتولى «الجمهوريون» القيادة في مجلس النواب.
ومع هذه النتيجة، فالخبر السار لـ«الديمقراطيين» هو أن الرئيس سيواصل إقرار تعيين قضاة ومسؤولين آخرين. والخبر السيئ للبلاد يتعلق بما سيحدث لاحقاً. فسيصاب الكونجرس بالعجز عن الحركة ومن المحتمل إغلاق الحكومة بسبب عدم الاتفاق على التمويل.
واليمين المتطرف في الحزب «الجمهوري» سيتحدى قيادته، ويطالب بجلسات استماع، على غرار جلسات بنغازي، حول أي عدد من القضايا وربما حتى يحاول توجيه الاتهام للرئيس. وستكون سنتان مروعتان من الاستقطاب والخلل الوظيفي إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية عام 2024، حين نعيد الكرة مرة أخرى.
رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن