إخفاقات ليبرالية ونجاحات يمينية..لماذا؟
هل يتعرض النظام الليبرالي، والذي استعلن كطريق منفرد وواحد للانتصارات بعد الحرب العالمية الثانية، في طريقه للتراجع، إن لم يكن الانكسار؟ علامة استفهام ارتفعت مؤخرا، بعد فوز أحزاب اليمين في السويد، ثم إيطاليا، ومن قبلهما حققت جماعة مماثلة في فرنسا نتائج غير مسبوقة، حتى وإن لم تصل إلى الإليزيه، فيما ألمانيا بنوع خاص، تتوقع انفجاراً شعبوياً مخيفا عما قريب.
تبدو الديمقراطيات الليبرالية الكبرى في عالم اليوم، وبدرجة غير مسبوقة تعيش أزمة واضحة، لا من حيث الشكل فحسب، وإنما من حيث الممارسات المرصودة، والقيم والغايات المنشودة.
طوال سبعة عقود ومنذ سحق الفاشية والنازية، ظل النظام الليبرالي بمثابة حجر الفلاسفة لدى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، بنوع خاص، وتبعات المشهد على أستراليا ونيوزيلندا وكندا، وقد بلغ الظن من الجميع أن التاريخ وصل إلى نهايته، وهذا ما تبدى في رؤية عالم الاجتماع السياسي الأشهر فرانسيس فوكاياما، في مؤلفه المختلف عليه، «نهاية التاريخ»، والذي صدر عام 1992، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك وحدته وانسلاخ الجمهوريات التي أجبرت قسرا على الانضمام إليه.
غير أن المتابع لفوكاياما مؤخرا، يقرأ صفحات كتابه الجديد، «الليبرالية وإخفاقاتها»، ويدرك مقدار تراجع فوكاياما عما طرحه قبل ثلاثة عقود، إذ يظهر الأزمة التكتونية التي تعتري الطرح الليبرالي المنفلت، والذي أخفق في تلبية إحتياجات الكثير من الأمم والشعوب، ولهذا طفت من جديد على السطح إرهاصات الشعبويين، وقلاقل اليمينيين من الوسط إلى أقصى اليمين.
يحتاج المرء في طريقه لمحاولة فك طلاسم المشهد الخاص بتراجع الحضور الليبرالي العالمي، وتقدم القوميات والشوفينيات القاتلة، إلى حسم مسألة مهمة، لا يزال علماء التاريخ غير قادرين على البت فيها، وتتعلق بحركة التاريخ، وهل هي دائرية، أي بمعنى أنه كما كان هكذا يكون، من جيل إلى جيل، وكأننا أمام إعادة رواية أو فيلم يشاهد لمرات متتالية متعاقبة، ومن غير أدنى مقدرة من الديالكتيك الأممي على مشاغبة أحداث الحياة وترك بصمات ومتغيرات واضحة، أم أن التاريخ تصاعد حلزونيا، ويتجاوز الماضي بخبراته، ويخترق السحاب تجاه ما هو أفضل لخير الإنسانية جمعاء؟
وإلى أن تحسم تلك الإشكالية الفلسفية، تبقى هناك حقائق مؤكدة موصول بقصور النظرية الليبرالية مؤخراً عن تلبية احتياجات شعوب تلك الدول التي تتساقط كأحجار الدومينو في حجر التطرف والشعوبية،
ومن بينها عدم مقدرتها على طرح نموذج طوباوي من العدالة، فقد أفرزت الليبرالية الغنّاء على سبيل المثال في الولايات المتحدة محاصصة بين من أطلق عليهم مؤرخ التاريخ الشعبي الأميركي الشهير، هوارد زين، حراس النظام، أي المستفيدين من منافع الليبرالية وهؤلاء لا يتجاوزوا عشرة بالمائة من سكان البلاد، وبين سجناء النظام الذين يدورون في فلك النظام الليبرالي الرأسمالي ويبلغون نحو تسعين بالمائة.
أميركا وعلى مقربة من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، واقعة لا محالة تحت تهديدات يمينية مشابهة، ما يعني أن الحاجة إلى تجديد الفكر الذي يحكم النظام العالمي، أمر بات من قبيل الفرض وليس النافلة، وإلا فالخطر الداهم قادم لا محالة والمآلات ضبابية الآن ومستقبلاً.
* كاتب مصري