الهند ومنظمة شنغهاي للتعاون
بعد توقف دام عامين، عُقدت قمة «منظمة شنغهاي للتعاون» الأسبوع الماضي في مدينة سمرقند الأوزبكية، حيث ناقشت سبلَ تعزيز التعاون متعدد الأطراف والثقة المتبادلة بين أعضائها. وحضر القمةَ زعماءُ الهند وروسيا والصين، إلى جانب سبعة زعماء آخرين لبلدان أعضاء.
منظمة شنغهاي للتعاون، التي تَعِد بالسلام والأمن، ركزت في بدايتها على الثقة المتبادلة في المجال العسكري حين أُنشئت أول مرة تحت اسم «شنغهاي خمسة» في عام 1996، وكانت الصين وقيرغيزستان وروسيا وكازاخستان وطاجيكستان جزءاً من «اتفاقية بناء الثقة في المجال العسكري» و«اتفاقية حول الخفض المتبادل للقوات المسلحة في المناطق الحدودية» بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ولكن انضمام أوزبكستان في عام 2001 أدى إلى إعادة تسمية «شنغهاي خمسة» لتصبح «منظمة شنغهاي للتعاون». وتحت اختصاص مماثل، وقّع قادة دول «شنغهاي للتعاون» برنامج «التعاون التجاري والاقتصادي متعدد الأطراف» لعشرين عاماً بهدف إنشاء مناطق تجارة حرة وأنشطة تجارية. وفي عام 2017، مُنحت الهند وباكستان عضويةً دائمة في المنظمة.
القمة مثّلت واحداً من اللقاءات الأولى التي حضرها الرئيس الصيني شي جين بينغ منذ تفشي وباء «كوفيد-19». وفيها حثّ جين بينغ الدولَ الأعضاءَ على تعزيز التعاون بينها، معرباً عن استعداده للعمل مع الأطراف الأخرى من أجل النهوض بالتنمية العالمية من خلال «مبادرة الحدود والطريق». كما تعهد بمساعدات إنسانية وبالتعاون في مجالات التجارة والاستثمارات والبنية التحتية وسلاسل التوريد.
ومن جانبه، دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تمتين العلاقات مع الصين من أجل تحقيق الأهداف المشتركة وأهداف أعضاء المنظمة. ودفع في اتجاه سفر من دون تأشيرة بين الهند وروسيا، ووعد بإمدادات غاز خطوط الأنابيب إلى باكستان. ومن جهته، حثّ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي حضر القمة بنية حشد الدعم لأجندته الخاصة بأمن الطاقة وحقوق العبور، الأعضاء على بلورة مقاربة متوازنة إزاء تغير المناخ. كما دعا روسيا إلى الانكباب على مواضيع أمن الغذاء والوقود والأسمدة. وأشار مودي إلى أهمية التجارة العابرة والربط بين الدول الأعضاء لمنظمة شنغهاي للتعاون، مشدداً على أن من شأن حقوق العبور بين الدول تعزيز التواصل والحوار بين الدول الأعضاء.
رئيس الوزراء مودي التقى مع عدد من الزعماء على هامش اجتماع القمة، ولكن لقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان واحداً من أكثر اللقاءات ترقباً واستئثاراً بالاهتمام في القمة. ويذكر هنا أن واحداً من الزعماء القلائل الذين كان يتحدث معهم الرئيس بوتين بانتظام بعد بداية أزمة أوكرانيا هو رئيس الوزراء مودي، مما يؤشر إلى العلاقات الطويلة والروابط العميقة التي تجمع بين البلدين. وفي تلك المحادثات، أكد رئيس الوزراء الهندي على أن مصدر القلق العالمي الأكبر في الوقت الراهن هو أزمة الغذاء والطاقة.
كانت التجارة الثنائية والحرب في أوكرانيا بعضاً من المواضيع التي طرحت على طاولة النقاش بين الزعيمين خلال اللقاء. وكان اللقاء بين الزعيمين دافئاً جداً وتذكرا فيه كيف أن علاقتهما تعود إلى الزمن الذين كان فيه مودي كبير وزراء ولاية غوجرات. وقال بوتين إنه يرغب في انتهاء نزاع أوكرانيا في أقرب وقت ممكن، واعداً بأن يبقي الهند على اطلاع على تطوراته. ويذكر هنا أن الهند حرصت على التزام الحياد وعدم الانحياز إلى أي طرف في هذا النزاع منذ اندلاع الحرب، حيث واصلت شراء النفط من روسيا بأسعار مخفضة لتزويد اقتصادها النامي بالطاقة ولتجنب فواتير وقود مرتفعة. كما امتنعت عن التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن الدولي حرصاً على مصالحها الاستراتيجية. وارتفعت حصة النفط الروسي في سلة الواردات الهندية من 2 في المئة إلى 13 في المئة بعد اندلاع حرب أوكرانيا. ومع التقارب المتزايد مع الولايات المتحدة، تدعو نيودلهي إلى حل دبلوماسي في وقت تسعى فيه إلى تحقيق توازن في علاقاتها مع روسيا، التي تُعد شريكا أساسياً في مجال الدفاع. ذلك أن نحو 70 في المئة من الأسلحة الهندية من صنع روسي.
وبالنسبة لروسيا أيضاً، تظل الهند شريكاً مهماً وسط العقوبات الغربية وتحوّل موسكو المتزايد نحو آسيا. وعلاوة على قوة العلاقات الثنائية، ازدادت أهمية الهند أيضاً على اعتبار أنها ستتولى رئاسةَ مجلس الأمن التا في ديسمبر المقبل. كما ستستضيف القمةَ المقبلة لمنظمة شنغهاي للتعاون بعد أن تتسلم الرئاسة من أوزبكستان هذا الشهر. وفي الأثناء، يتابع العالم الغربي العلاقات بين الهند وروسيا باهتمام، لاسيما الولايات المتحدة، التي تحاول عزل روسيا دولياً على خلفية أزمة أوكرانيا. ولئن كانت الولايات المتحدة أعلنت مراراً وتكراراً أنها تتفهم موقف الهند، فإنها شرعت إلى جانب بعض البلدان الأخرى في ممارسة ضغط على الهند من أجل المساعدة على فرض سقف للنفط الروسي بعد أن حلّت الهند محل الصين كثاني أكبر مستورد للنفط الروسي. كما عبّرت واشنطن عن قلقها من مشاركة الهند في تمرينات عسكرية متعددة الأطراف قادتها روسيا أواخر الشهر الماضي.
ومما لا شك فيه أن الهند تسعى إلى تحقيق توازن صعب. والأكيد أنه ليس من مصلحة الهند الانحياز إلى طرف ضد طرف في هذه الحرب التي تحدث بعيداً جداً عن أراضيها، وإن كانت تداعياتها محسوسة في كل مكان في العالم. غير أن عملية تحقيق التوازن هذه قد تزداد صعوبة مع امتداد أمد الحرب.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي