يوم سقوط الشجرة
في حديقة منزل صديقتي كانت هناك شجرة باسقة لطالما أمعنت النظر بها كلما زرتها، رأيتها شجرة مختلفة عن أي واحدة أخرى يمتلكونها، وقعت هذه الشجرة يوم وفاة والدها، بالتحديد قبل وفاته بمساحة زمنية لا تذكر، بسقوطها أعطت إشارة لما سيحدث، كأنها تعلن بداية مرحلة جديدة لمنزل هذه الأسرة بوفاة الأب. قفز هذا الحدث في ذهني حينما قرأت مؤخراً الترجمة العربية لرواية «سقوط شجرة الحور» للكاتبة والرائدة النسوية الشهيرة «سيفجي سويسال»، وقد تمت ترجمتها من التركية إلى العربية.
لم أستطع إلا تخيل الرمزية التي انتهجتها «سيفجي» حين عبرت عن حدوث أمر ما بسقوط شجرة، الجميع مهتم، ملتف حول الشجرة، الشجرة ستسقط وكلنا نعرف ذلك، لكن ما هي الآثار المترتبة على السقوط. تأخذ الشجرة في طريقها حياة أحد الأشخاص، يرصد قلم الكاتبة شخوصاً وقفوا حول شجرة الحور، مثلما رصدت عيني عائلة صديقتي وتخيلت نفسي لوهلة أكتب عن هذه الأسرة، عن حيواتهم، وعن تلك اللحظة التي أسرعوا فيها إلى الشجرة التي مالت فسقطت لتسبق والدهم إلى الموت. هل كل الحكايات تصلح لنأخذ منها حكمة ما؟ أستطيع الإجابة بلا تردد وبيقيني الكامل: نعم، حتى لو لم نفهم المقصود في لحظتها سنفهمه في لحظة ما يستطيع عقلنا فيها استيعاب الحكاية.
هذا ما حدث معي، تواصلت معي صديقتي وبعد تحيات وسؤال عن الأحوال سألتها عن الشجرة، تذكرت يوم وفاة والدها، اشتركنا في الدعاء له بالرحمة، ثم أخبرتني بألم أن هذه الشجرة ارتبطت بوالدها بشكل غريب، فهو من زرعها واهتم بها دون شجر الحديقة الذي ترك أمره للبستاني، ربما كان الأب يعرف مدى ارتباطها به وبمصيره، كان الرابط بينهما شعورياً، إنسانياً.
صحيح أن الأب لم يكن يعرف بالضبط مدلول الربط بينهما، لكن ما حكته لي صديقتي جعلني أصل إلى نتيجة، لكن الوصول إلى هذه النتيجة ارتبط بمعرفة القصة كاملة.
إن المغزى وراء القصص مبدأ ثابت لا يمكن فصله عن القصة نفسها، والقدرة على استخلاص المعاني أمر لا يجيده الجميع ويحتاج تدريبات كبيرة من أجل الوصول إليه، وقد يشعر البعض بالالتباس والارتباك حين لا يستطيعون الوصول إلى المعنى الحقيقي، لكن من قال إن لكل قصة معنى واحداً، إن برحلة البحث عن معنى طرقاً عديدة يختار القارئ منها واحداً ويسيره حتى يصل لمفهومه، وبالانتقال من معنى إلى آخر تتكون رؤيتنا عن الحياة.
الشجر كالبشر، آثار الحياة تظهر عليه بالشكل نفسه، التجاعيد، لذا لا أبالغ إن قلت إن الشجرة شعرت بقرب وفاة صاحبها فكان لابد لها من السقوط، من التخلي طوعاً عن الحياة في سبيل تشارك الموت مع من تحب ليبدأ الأبناء في زراعة أشجارهم الخاصة المرتبطة بهم.
قطعت صديقتي حبل أفكاري وسألتني لما خطرت الشجرة على بالي لدرجة ملحة جعلتني أتصل بها خصيصاً للسؤال عنها، أخبرتها أنني لا أملك إجابة قاطعة وأن إلحاح معرفة الحكمة الذي ربما ارتبط بقراءة الرواية كان أقوى مني، سكتنا للحظات ثم سألتها إذا ما كانت قد زرعت شجرة جديدة في الحديقة وابتسمت حين عرفت إجابتها.
* كاتبة وروائية سعودية.