القتل حباً.. التأييد حريةً!
حوادث قتل الفتيات بأيدي شباب تحت عنوان الحب أمر يثير قلق كثيرين ومن بينهم أنا. بين فينة وأخرى نقرأ عن هذه الجرائم، لكن ما لا نقرأه أكثر بكثير. فهل بالفعل المحب يقتل؟ أم إن الغيرة والحقد يأكلان قلبه ويسيطران على عقله إلى درجة «العمى»، فينتهي الأمر بجريمة بشعة تهز المجتمع.
ما حدث مع نيرة حدث كذلك مع سلمى، أماني، إسراء، سمية، رومينا، فرح، وإيمان، وغيرهن ممن تنقل وسائل التواصل الاجتماعي أنباء مقتلهن. والأمر لا يتعلق فقط بالعالم العربي، بل يمتد ليشمل حتى العالم الغربي، والأفلام التي تتعرض لهذا النوع من الجرائم عديدة، وهذا معناه أن الأمر لا علاقة له بالدين كمعتقد.
شخصياً.. لا أستطيع أن أفهم كيف تتحول مشاعر الحب إلى مشاعر كراهية تقود المرء إلى إنهاء حياة شخص آخر، وكيف له أن يدمر أسرة بأكملها لمجرد أنه قرر ذلك دون أن تردعه «أخلاقه» قبل أن تردعه تعاليم دينه.
مثل تلك هذه الجرائم وسواها من الأفعال التي تصنفها الشرائع والقوانين كجرائم، وتهز المجتمعات لمأساويتها تعكس مدى سيطرة الشر على البعض. وإزاء تلك الجرائم العبثية تتباين ردود الأفعال، بل وتتضارب في كثير من الأحيان. فمن الناس من يتبنى الدفاع عن القاتل ويبرر سلوكه ويشوه الحقيقة، ومنهم من يتعاطف مع الضحية ويطالب بإنزال أقسى العقوبات على مرتكب الجريمة، لدرجة أن البعض يسمحون لأنفسهم قتل المجرم لمجرد الانتقام بعيداً عن القانون الذي وُجد أصلاً لينظم حياة البشر في مجتمعاتنا الحالية.
لست – وكثيرين مثلي – مع الانتقام والرد على الجريمة بجريمة بداعي الثأر، بل مع تطبيق القانون وإنزال العقوبة التي يستحقها الجاني وكل من يساعده أو يكتم ما يعرف من معلومات، وأعتقد لو أن من يناصرون المجرم ويبررون له ما فعل قد واجه أحد أفراد أسرتهم أو أحبتهم القتل على يدي مجرم أخرق وأعمى بصيرة لكانت ردود فعلهم غير تلك التي يبدونها في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكنني أن أقول إنها توازي الجريمة في بعض نواحيها. وحقيقة لا أدري إن كان من يبرر القتل قد يُقدم يوماً على ارتكاب جريمة. لا أريد إطلاق الأحكام، لكن الأمر يقلقني حقاً، خصوصاً عندما تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لعرض وجهات نظر مفزعة لأنها تجانب الصواب والحقيقة وتبرر قانون الغاب وتنذر أو تنبئ بما هو أسوأ، ألا وهو انهيار منظومة الأخلاق التي أشار إليها القاضي المصري بهاء الدين المري قبل إصدار الحكم على قاتل الشابة المصرية نيرة والتي أقتبس منها (يقين غاب، وباطلٌ بالزَّيف يحيا، وتفاهات بالجهر تتواتر، وبيت غاب لسبب أو لآخر .... ونَفس تدثرت برداء حب زائف مكذوب تأثرت بثقافة عصر اختلطت فيه المفاهيم، الرغبة صارت حباً، والقتل لأجله انتصاراً، والانتقام شجاعة، والجرأة على قيم المجتمع وفحش القول والعلاقات المحرمة تسمى حرية مكفولة، ومن هذا الرحم وُلد جنيناً مُشوهاً.... إنَّ هذا الخلل، إنْ لم نأخذ على أيدي المَوتورين ومروِّجيه؛ استفحل ضرره، وعزّ اتقاء شـره).
وإذا كشفنا عما تحت السطح لوجدنا أن بعض الفاعلين في وسائل التواصل الحديثة يساهمون في دمار المجتمع، فيبثون أو ينشرون كل ما من شأنه أن يزيد الطين بلّة. فالفاسدون – وبداعي حرية الرأي - يشيعون الرزيلة، ويبررون الجريمة، ويلعبون على أوتار كثيرة ومن بينها المشاعر، وخير دواء لهؤلاء ردعهم بفرض العقوبات عليهم، ومحاسبتهم على ما ينشروه من خراب فكري.