التاج البريطاني من الجزيرة إلى الأمم
برحيل الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا عن عمر ستة وتسعين عاماً، نفتح القراءة لأهم التحولات التاريخية المرتبطة بالجزيرة البريطانية مع التعرف على هويتها الاجتماعية السياسية.
ليس هناك بين القوى الامبراطورية مثل الجزيرة البريطانية غير المرتبطة باليابسة الأوروبية، التي توسعت نحو السيطرة على الأراضي والبلدان بحثاً عن الموارد المعدنية والطبيعية ومنها الزراعية كالقطن والتوابل والشاي وغيرها كالأفيون لأغراض طبية، وقد تحكمت بريطانيا العظمى على التجارة العالمية عبر قوة أسطولها البحري والعسكري والسيطرة على المنافذ البحرية والموانئ، وبذلك مهدت لظهور العولمة كحلقة أولى، وأصبحت لغتها الإنجليزية لغة التجارة والاختراعات والاكتشافات والحداثة والعلوم والتطور والتواصل حتى يومنا هذا. والملكة الراحلة عاصرت الهيمنة البريطانية ودعمت بلادها في الحرب العالمية الثانية معنوياً وسياسياً، وشهدت دور بلادها في تأسيس منظمة الأمم المتحدة لأمن وتعاون الأمم، بالإضافة إلى استقلال الأمم والدول بعيداً عن الهيمنة البريطانية، لم يتبقَّ من الإمبراطورية إلا منظومة دول الكومونولث وانتشار اللغة الانكليزية كلغة عالمية، ووجود أرث تاريخي للكثير من الأمم والشعوب في أرشيفها الوثائقي مع مراكز لدراسات شؤون العالم.
لقد استمر النظام الملكي بسبب التطور الصناعي ومواكبة المتغيرات والتحولات، لذا لم يتعرض لثورة شعبية سياسية ضد النظام الملكي كالثورة الفرنسية والروسية اللتان أثرتا في استقرار أوروبا. والهوية المكونة لبريطانيا محددة ومحصورة عبر الهوية البريطانية، والاسكتلندية، والوليزية، والإيرلندية الشمالية عبر المذهب البروتستانتي، رغم وجود هجرات من خارج أوروبا. كما أن أصول الملكة الراحلة تنحدر من عائلة ملكية ألمانية في هانوفر، خلفت عرش عائلة ستيوارت الاسكتلندية بسبب عدم وجود وريث بروتستانتي عام 1714، وكانت العائلة تعرف باسم «ساكس-كوبيرغ-غوثا»، وبسبب معاداة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى غير الملك جورج الخامس الاسم إلى «وندسور» في 1917.
يقدم التاج الإنكليزي أقدم وأشهر نظام ملكي وبرلماني في العالم نموذجاً فريداً في الحكم والسياسة والاجتماع بين الموروث التاريخي والاعراف والطبقات المستمرة والحداثة، فالملكة/الملك مرتبط بالتشريفات والموافقة الشكلية على القوانين الصادرة من البرلمان، ودعوة زعيم الحزب المتغلب في مجلس العموم ليصبح رئيساً للوزراء، وحل البرلمان قبل الانتخابات، والملكة كانت الحاكم الأعلى للكنيسة الإنجليزية. والدستور الإنجليزي غير المكتوب هو مزيج من التشريعات البرلمانية والآراء القضائية والعادات والأعراف والاتفاقيات، على سبيل المثال الدستور الأميركي يعطي المحكمة العليا السلطة في تحديد ما يمكن للحكومة أن تفعله، ويشترط موافقة ما يزيد عن نصف عدد الولايات وأكثر من نصف أعضاء الكونجرس لتعديل الدستور، أما في انجلترا فيحدث كل ذلك عبر البرلمان والتي تسيطر عليه الحكومة، لذا الحكومة في الثقافة البريطانية تحمل معاني كثيرة من الولاء للملكة أو الملك، إلى رئيس الوزراء وحكومتهِ بما تملك من سلطة تشريعية وتنفيذية وإدارية.
الجزيرة البريطانية كانت مركزاً للاختراعات والثورة الصناعية والنهضة الغربية وتفوق العرق الأبيض والحلقة الأولى من العولمة، وما زالت تعتبر قوة دولية مؤثرة على أطر العلاقات الدولية وكافة العلوم والتجارة المتعددة.