المستقبل الرقمي
شهد العالم تحولاً رقمياً هائلاً في السنوات الأخيرة وبالأخص بعد المتغيرات التي حدثت على إثر جائحة كورونا، السبب الذي أجبر الكثير من المنظمات والمؤسسات والدول إلى التحول والتكيف السريع مع المستجدات داخل العالم الرقمي والبحث عن الاستراتيجيات والأدوات المرنة لتذليل بيئات العمل ورقمنتها وفق متطلبات الحياة الجديدة وتسيير الحياة تبعاً لما تقتضيه الظروف الطارئة لتصبح هذه المتغيرات نمطاً مريحاً فيما بعد ومجالاً خصباً للإبداع في العالم الرقمي المثير.
تطورت دول الخليج في تحولاتها الرقمية بشكل ملموس في السنوات القليلة الماضية، فقد حققت دولة الإمارات -مثلاً- مستويات متقدمة في التحول الرقمي على الصعيد العربي والإقليمي والعالمي، لتنضم إلى قائمة أفضل الدول على مستوى العالم في التحول الرقمي الحكومي بحسب التقييم الصادر عن البنك الدولي، والذي يقيس مستويات نضج التحول الرقمي والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في تسيير العمل في القطاع الحكومي في 198 دولة حول العالم.
ولأن الطلب على دراسة تخصص المهارات الرقمية يزداد يوماً بعد يوم، ونظراً لأهميته الفائقة في تسيير نمط متقدم للحياة بشتى مجالاتها وبشكل لم يعد الاستغناء عنها وارداً، فقد أصبح المجال الرقمي من الضرورات الرائجة ومن مقضيات التحول التعليمي لبعض الدول.
ففي كوريا الجنوبية على سبيل المثال، يبدأ العمل هذا العام بخطة تعليمية تعتمد على رعاية مليون محترف متخصص في مجالات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والتقنيات الرقمية الأخرى على مدى السنوات الخمس المقبلة تستهدف تلبية الطلب على المحترفين في المجالات الرقمية وتعزيز الاندماج متعدد التخصصات بين التقنيات الرقمية والمجالات الدراسية الأخرى في التعليم الجامعي.
وبحلول عام 2027 تكون كوريا الجنوبية قد أسست 100 جامعة متخصصة في مجال البرمجيات، وهذه الخطة الدراسية تشمل أيضاً التعليم ما قبل الجامعي بتوفير مسارات تعليمية ودورات خاصة في الذكاء الاصطناعي في المدارس الثانوية العلمية واستحداث فصول للبرمجة لطلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة وفقاً لمتطلبات المرحلة الآنية والمستقبلية.
باتت التخصصات الرقمية اليوم من أكثر التخصصات طلباً في سوق العمل، فهناك مجالات متعددة في هذه التخصصات وتفرعاتها، وجميعها تسهم في بناء منظومة عالية التطور والأمان على مستوى الأوطان.
ومن التخصصات التي اعتمدتها بعض الدول لدعم أمنها ودقة معلوماتها وحفظ بيانات مستخدميها وتسهيل حياتهم، هي أمن المعلومات والأمن السيبراني وما ينطوي تحتها من مسارات تقنية (علوم الحاسب، نظم المعلومات، تطوير البرمجيات، تقنية المعلومات، الشبكات، أمن المعلومات والأمن السيبراني، علم البيانات، التصميم الرقمي، هندسة الحاسوب، هندسة البرمجيات، الهندسة الطبية الحيوية) وغيرها من المجالات.
وحين نستحضر ما حدث من متغيرات رقمية خلال السنوات العشر الماضية (وقبل كورونا) مقارنة بالسنتين الأخيرة، فإن الهوة واسعة بل ومثار للتندر لأبناء هذا الجيل، ناهيك عن الفترة ما قبل الثلاثين عاماً ونيف حين كان الحاسب الآلي وأنظمته بمثابة ثورة تقنية مبهرة في المؤسسات والشركات والقطاعات الحكومية، وما بين ذلك الوقت ووقتنا الحالي بما يعتريه من ثورات تقنية عالية يبقى السؤال الملح دائماً.. ماذا بعد؟ وكيف ستكون الحياة مستقبلاً؟
أخيراً.. من المهم جداً تذليل الانخراط في التخصصات التقنية بفسح المجال للشباب في الجامعات والمعاهد في عالمنا العربي وتسهيل عملية القبول فيها، فالشباب هم وقود التنمية وهم محرك التغيير والتطور.
ففي كوريا الجنوبية ووفقاً للخطة الدراسية الآنف ذكرها، فإن الجامعات منحت امتيازات خاصة لزيادة فرص القبول في أقسامها الرقمية، فضلاً عن مبادرة الحكومة بمنح إعانات لزيادة عدد الملتحقين في تلك المجالات!
* كاتبة سعودية