ترامب.. ومستقبل الحزب «الجمهوري»
في الساعة السادسة والنصف من صباح الثامن من أغسطس الجاري، نفّذ 30 عميلاً من مكتب التحقيقات الفيدرالي، الـ«إف. بي. آي»، مذكرة تفتيش لفيلا دونالد ترامب في (مار-أ-لاغو) في بالم بيتش، فلوريدا. وعلى مدى عدد من الساعات، أخذ العملاء معهم 10 صناديق على الأقل من الملفات التي استعيدت من قبو الفيلا. وتضمنت الملفات مواد سرية. ولكي يقوم الـ«إف بي آي» بعملية التفتيش هذه، كان على وزارة العدل أن تقدِّم لقاض فيدرالي إفادة تتضمن الأسباب التي تشرح لماذا تعتبر المذكرة أساسية من أجل إجراء التحقيق. اطلع القاضي على الإفادة ثم أعطى موافقته على عملية التفتيش. ويبدو أن محتويات الإفادة كانت جدية بما يكفي لتبرير عملية التفتيش غير المسبوقة.
وعلى مدى الأيام التالية، أكدت وزارة العدل أن بعض الملفات التي استعيدت من الفيلا كانت تحمل علامة «سري للغاية إس سي آي»، والتي تعني «معلومات مجزأة حساسة»، ما يعني أن عدداً محدوداً فقط من الأشخاص الذين يملكون تصريحات مناسبة يستطيعون الاطلاع على الوثائق. بعض التقارير الصحفية أشارت إلى أن بعض الملفات تضمنت وثائق لها علاقة بمواضيع نووية، غير أنه من غير الواضح نوعية الأنشطة النووية التي تحدث عنها هذا البيان، ولهذا، كانت هناك جهود حثيثة من قبل الصحافة وأعضاء الكونجرس من أجل الحصول على فهم كامل لمحتوى للملفات. ولكن حتى الآن، تعارض وزارة العدل بشدة الإفراج عن مزيد من التفاصيل، على اعتبار أن من شأن إطلاع الجمهور عليها أن يعقّد تحقيقاً جارياً ويطرح تهديداً للأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الإفادة ويتعاونون مع أجهزة إنفاذ القانون.
ترامب وأنصاره لم يكتفوا بالتنديد بعملية التفتيش باعتبارها «غارة» على فيلته، وإنما شنوا حملة إعلامية شعواء ضد الـ«إف بي آي» ووزارة العدل ووزير العدل ميريك غارلاند. إذ قام أنصار ترامب الأكثر انتقاداً بشيطنة الـ«إف بي آي» داعين إلى «وقف تمويله» أو تفكيكه. والأكثر إخافة على الإطلاق أنهم دعوا إلى العنف ضد العملاء والقاضي الذي أمر بعملية التفتيش. وبعد ثلاثة أيام على تلك العملية، وعلى نحو يقطع مع التقاليد بشكل غير مسبوقٍ، خاطب وزير العدل الأميركيين موضحاً أنه هو من رخّص للعملية شخصياً، وأن التحقيق متواصل، وأن الأشخاص الذين يهددون الموظفين الفدراليين بسبب قيامهم بعملهم سيحالون على العدالة.
التأثير قصير المدى لميلودراما ملفات «سري للغاية» هذه كانت تعزيز الدعم «الجمهوري» لترامب في وقت بدأ فيه البعض داخل حزبه يتحدث عن مرشحين بدلاء لانتخابات 2024 الرئاسية. لم يدعم كل «الجمهوريين» بشكل صريح قول ترامب إنه لم يخرق القانون حين احتفظ بملفات حكومية لـ18 شهراً في فيلته، ولكن قاعدة أنصاره تظل مخلصة له وستنظم احتجاجات قوية وصاخبة، وربما عنيفة، في حال وجِّهت لترامب اتهامات رسمية بهذا الشأن. ومن جهة أخرى، يعتقد البعض أن ازدياد منسوب التعاطف مع ترامب على خلفية هذه العملية سيزيد من احتمال إعلانه عن نيته الترشح من جديد في 2024 قبل انتخابات نوفمبر 2022 النصفية.
بيد أن هناك مشكلة في هذا الخيار. ذلك أن «بايدن» و«الديمقراطيين» يرغبون بشدة في أن يجعلوا من ترامب واحداً من المواضيع الرئيسية في الانتخابات النصفية. إذ يعتقدون أن سلوكه، والبيانات الاقتصادية الآخذة في التحسن، والتشريع الجديد الذي يستهدف معالجة مشكلة التضخم، وخفض تكاليف الرعاية الصحية... ستساعدهم على الحد من عدد المقاعد التي من المتوقع أن يفقدوها في مجلس النواب في نوفمبر. بل إنهم قد يفوزون أيضاً بما يكفي من المقاعد للحفاظ على سيطرتهم على مجلس الشيوخ.
وإلى أن يتم فهم التحقيق ومحتوى الملفات فهماً كاملاً، فإنه من المبكر جداً ومن السابق لأوانه التكهن بما إن كانت هذه الأحداث ستساعد ترامب سياسياً أم ستؤذيه. وفي الأثناء، هناك العديد من الزعماء «الجمهوريين» الذين ينتظرون إنهاء ترامب لطموحاته في الترشح من جديد. لا أحد سيجهر بذلك، ولكن الواقع يرون أنه طالما أن ترامب هو الشخصية المهيمنة في الحياة السياسية «الجمهورية»، فإن مصير الحزب هو أن يصبح أكثر تطرفاً وانتقامية وأن نتيجة ذلك هي نهاية الديمقراطية كما تعرفها أميركا أو نهاية الحزب «الجمهوري» كلاعبٍ مسؤولٍ في الحياة السياسية للبلاد.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» في واشنطن