الاستجابة العالمية لارتفاع أسعار المواد الغذائية
في زامبيا - حيث يعاني أكثر من نصف السكان من نقص التغذية، ويعاني 1.2 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد - ينتج المزارعون بالفعل أكثر من 80% من احتياجات البلاد الغذائية.
لكن الخبراء الزامبيين والدوليين في مجال الزراعة وإنتاج الأغذية مقتنعون بأنه مع توفر البذور المناسبة، والتكنولوجيا الأفضل، وطرق التخزين المحسنة والبنية التحتية للتسليم، والمقاومة القوية للتغير المناخي، يصبح بمقدور للمزارعين أن يفعلوا أكثر من ذلك بكثير.
وهذا لا يعني فقط تلبية المزيد من الاحتياجات الغذائية المحلية للبلد الواقع في وسط أفريقيا. بل يعني تشجيع ما يقول الخبراء إنه قد يصبح مركزاً إقليميا قويا للغذاء يمكن أن يساعد في سد المزيد من نقص الغذاء في البلدان المجاورة.
تنويع إنتاج الغذاء القابل للتصدير في العالم ليتجاوز عدد قليل من المنتجين العملاقين، ومساعدة المزارعين في زيادة الإنتاج لتلبية المزيد من الاحتياجات المحلية لبلدانهم، قد بات حاجة ملحة جديدة نتيجة للحرب الروسية في أوكرانيا - التي شارك فيها اثنان من أكبر منتجي الغذاء في العالم والمصدرين.
في ظل الحرب التي قضت إلى حد كبير على إنتاج القمح والبذور الزيتية والأسمدة في البلدين والذي يتم تصديره إلى الأسواق العالمية، أصبحت إمدادات المواد الغذائية الأساسية محدودة - مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في كل مكان.
ونتيجة لذلك، تدهور مشهد الأمن الغذائي العالمي المخيف بالفعل، وانتشر بين السكان الذين دمرتهم النزاعات في بلدان مثل اليمن وأفغانستان إلى موائد العائلات في شمال أفريقيا وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
وأدت «الأزمة متعددة الأبعاد» في الأمن الغذائي، كما وصفها قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في قمتهم الأخيرة بألمانيا، إلى ترك ما يقدر بنحو 345 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في خطر كبير من نقص الغذاء، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. علاوة على ذلك، فإن حوالي 750 ألف شخص في أفغانستان وإثيوبيا والصومال وجنوب السودان واليمن معرضون لخطر المجاعة، كما تقول الأمم المتحدة.
يتصدر الوضع المزري لانعدام الأمن الغذائي رأس جدول الأعمال العالمي إلى درجة لم تكن كذلك منذ أزمة أسعار الغذاء 2008-2009 على الأقل. لذلك، بينما كانت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سامانثا باور، في زامبيا مطلع يوليو الماضي للترويج للمساعدة الأميركية للبرامج المطورة محليا، والمصممة لتعزيز إنتاج الغذاء والأمن الغذائي في البلاد، تعهد قادة مجموعة الدول السبع بتقديم مبلغ 4.5 مليار دولار لمعالجة نقص الغذاء والمساعدة في مواجهة التأثير الذي تحدثه الحرب الروسية على الإمدادات الغذائية العالمية وأسعارها.
في ألمانيا، ألزم الرئيس جو بايدن الولايات المتحدة بتقديم أكثر من نصف التمويل الجديد لمعالجة الأزمة، والذي يقدر ب 2.7 مليار دولار.
وأعلنت زامبيا عن تقديم 9 ملايين دولار إضافية كمساعدات جديدة: أولا، للتصدي فورا لارتفاع تكلفة الوقود والأسمدة والطعام، وأيضا للمساعدة في إطلاق «إمكانات زامبيا... كقوة زراعية ومُصدِّرا رائدا للغذاء لجيرانها الإقليميين الثمانية».
ولكن حتى مع زيادة سخاء الولايات المتحدة وألمانيا ودول غنية أخرى، لا تزال هناك أسئلة حول ما إذا كانت المساعدات الغذائية قصيرة الأجل والمساعدات متوسطة الأجل لتوسيع إنتاج الغذاء ستكون كافية لمواجهة الأزمة.
يقول خبراء الأمن الغذائي، وكذلك مسؤولون من مؤسسات غذائية دولية ومنظمات خيرية خاصة، إن الاهتمام والموارد التي يوليها قادة العالم للأزمة – كما حدث على سبيل المثال في قمة مجموعة السبع - هي بداية واعدة. لكنهم يضيفون أنه يجب القيام بالمزيد في القريب العاجل لإعادة توجيه سلاسل الإمدادات الغذائية بحيث يمكن للإمدادات الحالية أن تتحرك عند الحاجة والبدء في تهدئة تضخم أسعار الغذاء.
ويؤكد الخبراء أن هناك حاجة إلى مزيد من التمويل إذا كان العالم يريد تجنب مستويات الجوع التي اعتقد الكثيرون أنها أصبحت شيئا من الماضي.
تقول دينا إسبوزيتو، نائبة الرئيس للقيادة الفنية في منظمة «ميرسي كوربس»، وهي منظمة مساعدات إنسانية غير حكومية دولية: «نحن نمر بلحظة غير مسبوقة» من حيث الزيادة الكبيرة في انعدام الأمن الغذائي.
وفي برنامج الغذاء العالمي، قال عارف حسين كبير الاقتصاديين إن تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا «لم يكن من الممكن أن يأتي في وقت أسوأ»، بالنظر إلى العدد القياسي للأشخاص النازحين بالفعل بسبب النزاعات وأزمات المناخ، والمستويات المنهكة من الديون في 56 دولة، جزئيا نتيجة للوباء. أضف إلى ذلك الآن المستويات المرتفعة من تضخم أسعار الغذاء بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقال: «في الوقت الحالي، هناك حوالي 40 دولة تشهد تضخما في أسعار المواد الغذائية بنسبة تزيد عن 15%. في البلدان التي تنفق فيها العائلات 50 أو 60 أو حتى 70% من دخلها على الغذاء، ما الذي يُفترض أن تفعله؟»
إحدى النتائج هي أن برنامج الأغذية العالمي يقدّر هذا العام عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة غذائية مباشرة بنحو 152 مليونا - مقابل 128 مليونا العام الماضي و121 مليونا في عام 2020.
في عدد متزايد من الأماكن، يعني الجمع بين ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة أعداد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية أن منظمات مثل برنامج الأغذية العالمي تضطر إلى خفض الحصص الغذائية. يقول الدكتور حسين: «في نيجيريا، اضطر برنامج الأغذية العالمي إلى خفض الحصص الغذائية إلى النصف». إحدى النتائج المأساوية: ارتفاع حالات الانتحار بين الأمهات اللواتي «لا يستطعن التعامل» مع عدم القدرة على إطعام أطفالهن بشكل كافٍ.
بالإضافة إلى خفض الحصص الغذائية، يتعين على منظمات المساعدة الغذائية أيضا التعامل مع المانحين الرئيسيين لتوجيه سخائهم إلى الأزمة الإنسانية الأخيرة - أوكرانيا - على حساب الأزمات المستمرة ولكن المنسية في بعض الأحيان.
تقول إسبوزيتو: «أحد آثار حرب روسيا ضد أوكرانيا هو تحويل الانتباه - والمساهمات - عن أماكن أخرى». وتشير، على سبيل المثال، إلى أن طلب منظمة ميرسي كوربس لمساعدة أوكرانيا تم تمويله بنسبة 90% «في غضون أيام»، في حين أن التبرعات للصومال - إحدى مناطق الجوع الساخنة - لم تحصل على أكثر من 20% من اهتمام المنظمة.
هوارد لافرانشي*
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»