العالم قبل البطاطس
في العصور الوسطى عاشت أوروبا بنظام «الوجبتيْن» قبل أن يتطور النظام إلى الوجبات الثلاث في العصر الحديث. كانت وجبة الغداء في منتصف النهار، ووجبة خفيفة في المساء، ولم يكن يتناول الإفطار إلا عدد محدود للغاية من الناس.
لقد مثّل اكتشاف البطاطس تطوراً هائلاً في غذاء أوروبا والعالم، فقد أدى الغزو الإسباني لإمبراطورية الإنكا في أميركا الجنوبية، إلى اكتشاف زراعة البطاطس في منطقة الإنديز في بيرو وشيلي.. وهكذا دخلت البطاطس إلى قائمة الطعام في أوروبا في القرن السادس عشر. ثمّة صراع بين بيرو وشيلي على منشأ البطاطس في أىّ منهما، وفي عام 1971 أسست بيرو «المركز العالمي للبطاطس»، ويزور السياح متحف البطاطس الحىّ في جبال الإنديز.
ينقسم العالم العربي بشأن اسم البطاطس حيث تنطقها بلاد الشام والمغرب العربي «بطاطا»، وأصل الكلمة إسباني، وهو مأخوذ من اللفظ المحلي في منطقة الإنديز. أصبحت البطاطس غذاء الشعوب ولا سيما الفقيرة في كل مكان، ولما أصيب محصول البطاطس في ايرلندا بآفة زراعية مدمرة منتصف القرن التاسع عشر، حدثت ما تسمى «مجاعة البطاطس» أو «مجاعة البطاطس الايرلندية». كانت حياة الايرلنديين تقوم على «الماء والبطاطس».
ولما وقعت المجاعة توفى أكثر من مليون شخص، وهاجر أكثر من مليونيْن! أثبتت الحروب والأزمات الدولية أن البطاطس هى الحل، وفي الحروب النابليونية أوائل القرن التاسع كانت البطاطس هى الاحتياطي الغذائي الأهم لمواجهة الحرب.
وقد استمر ذلك الدور الاستراتيجي للبطاطس في الحربين العالميتين الأولى والثانية. لقد أدت جائحة كورونا وتغير المناخ، ثم حرب أوكرانيا ونقص الأسمدة، إلى أزمات متعددة في خطوط إمداد البطاطس، وشهدت بلدان عدة من اليابان إلى كينيا قيام مطاعم الوجبات السريعة بتقليل أو حذف البطاطس من الوجبة، بينما قامت مطاعم منافسة بزيادة كمياتها للزبائن. وهو الأمر الذي أدى لموجة سخط وسخرية، أدت لشيوع مصطلحات مثل «حرب البطاطس» و«لاجئو البطاطس».
وقد دفع القلق الأممي بشأن أزمة الغذاء العالمي وتمدد المجاعة التدريجي إلى البحث عن حلول لوقف زحف الجوع على العالم. في مايو 2022 انعقد في أيرلندا المؤتمر العالمي الحادي عشر للبطاطس، وفيه تحدث مدير عام منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» عن ضرورة مضاعفة الإنتاج العالمي لمواجهة أزمة الغذاء. في عام 2020 وصل حجم الإنتاج العالمي من البطاطس إلى (360) مليون طن، والحلّ في رأى الأمم المتحدة هو رفع الإنتاج إلى (500) مليون طن عام 2025، ثم (750) مليون طن عام 2030. لقد تغيّر العالم كثيراً بعد اكتشاف البطاطس.
كانت البطاطس سبباً أساسياً للبقاء على قيد الحياة في زمن الخوف والجوع، ولا تزال هى الأنسب لمواجهة الآثار السلبية للنظام العالمي الجديد. في وقت يعاني فيه نحو مئات الملايين من أزمة غذاء: البطاطس.. حياة.
* كاتب مصري