آمال أوكرانيا الأوروبية
حتى وقت قريب، لم يكن ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي أمراً مفروغاً منه. ففي البداية، لم يخف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس افتقارهما للحماس للفكرة. ورأى ماكرون أن قيام تحالف سياسي على مستوى أقل، ودون عضوية، قد يكون نهجاً أفضل.
لكن بعد زيارة أوكرانيا في الأيام القليلة الماضية، وبعد مشاهدة الحطام وشعارات على الجدران رصدها صحفيون ميدانيون طالبت بـ«صنع أوروبا، وليس الحرب»، أعلن القادةُ، في مواجهة الضغوط السياسية وربما رغبة منهم في أن ينصفهم التاريخ، دعمهم للفكرة. ويوم الخميس (23 يونيو) أعلن الاتحاد رسمياً ترشيح أوكرانيا، في استعراض مذهل للوحدة يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه توبيخ لروسيا لإطلاقها عملية عسكريةً بغية إبقاء الجمهورية السوفييتية السابقة في فلكها. وغرَّدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عشية الإعلان قائلةً في حسابها على منصة تويتر: «أوكرانيا تمر بالجحيم لسبب بسيط وهو رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي». وأضافت في وقت لاحق أن هذا سيكون إشارةً «للعالم بأن الاتحاد الأوروبي موحد وقوي في مواجهة التهديدات الخارجية».
لكن بينما حدث الانتقال إلى الترشيح في وقت قياسي، فالانضمام إلى العضوية بحد ذاته عملية شاقة قد تستغرق أكثر من عقد، وأحياناً أكثر من عقدين. ويقتضي الانضمام تلبيةَ متطلبات صارمة من بينها معالجة الفساد الراسخ الذي طالما أمسك بتلابيب أوكرانيا وبلدان مرشحة أخرى.
ويرى محللون أن التحدي الذي يواجه كييف في الأشهر والسنوات المقبلة سيتمثل في محاولة إدخال إصلاحات تحدِث تحولا لحماية حقوق الإنسان، واقتصاد السوق، وسيادة القانون في جميع أنحاء البلاد. والتحدي الذي يواجه الاتحاد الأوروبي يتمثل في كيفية طمأنة البلدان المرشحة الأخرى، وبينها دول عانت من التراجع الديمقراطي في خضم جهودها على مدى سنوات للانضمام إلى الاتحاد دون نجاح، وإفهامها أن عرض الانضمام إلى الاتحاد ليس وعداً فارغاً. وأثناء الثورة البرتقالية عام 2004، خرج الأوكرانيون إلى الشوارع في موجة من المقاومة المدنية، احتجاجاً على «التزوير الهائل في الانتخابات الرئاسية وترهيب الناخبين».
وكانت أوروبا تراقب إدخال البلاد تغييرات في قانون الانتخابات الرئاسية والإصلاح الدستوري، في الوقت الذي وصل فيه فيكتور يوشينكو الذي نجا من تسمم شبه قاتل أثناء حملته الانتخابية ضد المرشح المدعوم من روسيا إلى منصب الرئاسة وشغله بين عامي 2005 و2010. وكان هذا بداية الحديث عن عضوية محتملة في الاتحاد الأوروبي «بطريقة جادة»، بحسب قول روزا بلفور، مديرة مركز أبحاث كارنيجي أوروبا في بروكسل.
وبعد عقد من الزمن، اندلعت ثورة «الميدان الأوروبي» بسبب رفض فيكتور يانوكوفيتش، الرئيس الأوكراني آنذاك، تحت ضغط روسي، التوقيع على اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي كانت تحظى بتأييد شعبي كبير، مما مثّل القشةَ التي قصمت ظهر البعير وأشعلت ثورة المحتجين الغاضبين من الفساد الحكومي ونفوذ الأثرياء، بين أمور أخرى. واحتل المحتجون ساحةَ الاستقلال في كييف واشتبكوا مع قوات الأمن، مما أدى في نهاية المطاف إلى الإطاحة بيانوكوفيتش.
ونظراً لهذا التاريخ، فإن مكانةَ الترشيح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تمثل «صفقةً كبيرةً سياسياً ورمزياً لأوكرانيا»، بحسب قول برونو ليتي، الباحث البارز في صندوق مارشال الألماني في بروكسل. وهذا يعني أنها مجرد بداية لعملية تستغرق عقداً من الزمن على الأقل، وفقاً لمعظم التقديرات. ويعتقد ماكس بيرجمان، مدير برنامج أوروبا في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية أن هذا يبدو «كما لو أن المكسيك قررت أن تصبح جزءاً من الولايات المتحدة».
ويجب على البلدان التي انضمت، مثل كرواتيا التي أصبحت العضو الثامن والعشرين عام 2013، الاضطلاع بقائمة مهام ضخمة تمتد من إصلاح النظام القضائي إلى المؤشرات الإحصائية التي يتعين تنفيذها عند إجراء التعدادات. وعلى الرغم من وجود دعم واسع النطاق داخل الاتحاد الأوروبي لمنح وضعية مرشح لأوكرانيا، لا يوجد إجماع حين يتعلق الأمر بتأييد جعل الدول المرشحة أعضاء بالفعل، بحسب قول ليتي، من صندوق مارشال الألماني.
وقواعد الاتحاد الأوروبي تستلزم الإجماع في قرارات السياسة الرئيسية. وهذا أقام عراقيل محرجة بسبب اعتراض من دولة واحدة عضو. وذكر ليتي أن «الاتحاد الأوروبي مازال خاضعاً للهيكل الذي تم تشكيله به حين كان يضم 12 دولةً عضواً. وهذا الهيكل لم يعد قادراً على العمل بكفاءة».
وحالياً، هناك خمس دول، هي ألبانيا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وصربيا وتركيا، مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وأشار ليتي إلى أن كثيرين لديهم مخاوف من التغيير الذي سيطرأ على الاتحاد الأوروبي من الداخل نتيجة إضافة شعوب هذه البلدان، والآن أيضاً إضافة مواطني أوكرانيا البالغ عددهم 40 مليوناً. ولهذا السبب وغيره، بما في ذلك عدم تحقيق الإصلاحات المطلوبة، اتسمت حركة معالجة طلبات المرشحين بالبطء.
وفي غضون ذلك، شهدت بعض الدول المرشحة تراجعاً كبيراً عن المبادئ الديمقراطية الأساسية مثل سيادة القانون. ويرى بيرجمان، من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، أن «التحدي الذي وجدت هذه البلدانُ، وخاصة دول البلقان، نفسَها أمامه هو ما أن يتضح لها أن الحصول على العضوية فعلا غير قابل للتحقق قريباً حتى تتعثر عملية الإصلاح». ومن الأمثلة البارزة على ذلك، تركيا التي حصلت على وضعها كمرشح منذ عام 1999. وتضيف بلفور، من مؤسسة كارنيجي أوروبا، أن الاتحاد الأوروبي «لم يحْسِن مكافأةَ الدول التي نفَّذت إصلاحات».
ونتيجة لذلك، تثير وضعية المرشح لأوكرانيا، ومولدوفا التي تلقت العرض أيضاً هذا الأسبوع، أسئلة حول ما يتعين قوله للبلدان التي تسعى للحصول على العضوية منذ سنوات ويتزايد إحباطها بشأن بطء وتيرة الانضمام. وترى بلفور أنه يجب على الاتحاد الأوروبي ضمان أنه في غضون خمس سنوات، لن تجد أوكرانيا ومولدوفا «نفسيهما في حالة إحباط وخيبة أمل».
*مراسلة «كريستيان ساينس مونيتور» -بروكسل.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»