قمة الأميركتين.. هل من جديد؟
كانت هذه هي اللحظة التي انتظرها الذين يغطون القمة الخامسة للأميركتين. فبعد أشهر فقط من رئاسته وفي أبريل 2009، كان باراك أوباما يشير إلى نوع جديد من القيادة الأميركية في نصف الكرة الغربي من خلال الاجتماع والتحدث آنذاك مع الاشتراكي الإقليمي المشاكس هوجو شافيز في اجتماع في بورت أوف سبين، عاصمة ترينيداد وتوباغو. وتصافح الزعيمان وابتسما، واغتنم شافيز الفرصة لإعطاء الزعيم الأميركي نسخة من الكتاب الكلاسيكي لإدواردو جاليانو عن الاستعمار في المنطقة، وهو بعنوان «الأوردة المفتوحة لأميركا اللاتينية: خمسة قرون من نهب القارة».
وفي قمتين للأميركتين لاحقاً- في بنما في أبريل 2015 –انتهك أوباما المحرمات التي يرجع تاريخها إلى القمة الأولى في ميامي في عام 1994 وأذعن لمطالبات إقليمية للسماح لكوبا الشيوعية حضور اجتماع تستند قائمة الدعوة إليه على الحكم الديمقراطي واقتصاد السوق الحرة. وكوبا لا يتوافر فيها الشرطان، لكن هذا لم يمنع أوباما من الابتسام لكاميرات الصحافة وهو يصافح الزعيم الكوبي راؤول كاسترو في مدينة بنما. وهذه هي اللحظات التي ركزنا عليها نحن الصحفيين في هذه القمم في نصف الكرة الغربي، وذلك لسببين. أولاً، لأنها ساعدت في توضيح كيفية تطور قيادة الولايات المتحدة واهتمامها بالأميركتين.
وثانياً، لأنه لم يكن هناك الكثير مما يحدث في الاجتماعات، لا سيما في الوقت الذي كان فيه أوباما في البيت الأبيض، وأيضاً حتى في وقت مبكر بعد سنوات الولاية الأولى لجورج بوش الابن بعد 11 سبتمبر. لقد حضرت ست من القمم الثماني الماضية للأميركتين. واستضاف الرئيس جو بايدن تاسع هذه القمم في لوس أنجلوس يوم 10 يونيو 2022. وفي مرحلة ما توصلت إلى استنتاج مفاده أن قمة الأميركيين بلغت ذروتها مبكراً. والواقع، قد لا يكون من المبالغة القول إن القمم وصلت إلى ذروتها مع اجتماع ميامي الافتتاحي. انطلقت قمة ميامي وسط الإثارة والترقب بشأن ما تحمله القمة لنصف الكرة الغربي. وآنذاك قاد الرئيس بيل كلينتون إجراءات ركزت على هدف إنشاء منطقة تجارة حرة.
ومع استبدال زعماء منتخبين ديمقراطيين مكان عسكريين في أميركا الجنوبية، وتهدئة حروب العصابات في المنطقة إلى حد كبير، باستثناء كولومبيا، أمكن استمرار انعقاد القمة بحضور جميع البلدان من كندا إلى الأرجنتين وتشيلي، باستثناء كوبا. وبدأت تغطيتي لميامي بمقال بعنوان «الترابط في قارة»، وفي أعقاب القمة كتبت قصة بعنوان «مهمة قادة الأميركتين: المحافظة على روح قمة ميامي حية». لكن مع استثناءات قليلة فقط، لم يتم إنجاز هذه المهمة، وتلاشت «روح ميامي» بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتركيز الولايات المتحدة على تهديد جديد للأمن القومي والمعارضة المتزايدة لاتفاقية التجارة الحرة لنصف الكرة الغربي، وتزايد الاستياء العام من مدى قدرة الديمقراطية على الإنجاز.
واجتمع القادة في قمة عام 2001 في مدينة كيبيك الكندية، ووجهوا دبلوماسييهم للتوصل إلى ميثاق ديمقراطي للدول الأميركية يعزز التزام المنطقة بالحكم الديمقراطي. تم تبني الوثيقة في جلسة خاصة لمنظمة الدول الأميركية في 11 سبتمبر 2001. لكن بعد ذلك، تميزت معظم القمم اللاحقة بالشقاق والرفض العلني أكثر من تميزها بالوحدة. وفي مار دي بلاتا، الأرجنتين، عام 2005، كانت الاحتجاجات الكبيرة المناهضة للعولمة والتجارة الحرة هي الحدث الرئيسي في الخارج، وفي الداخل كانت هناك قائمة متزايدة من البلدان الآن ترفض التزام ميامي بإنشاء منطقة تجارة حرة في نصف الكرة الغربي.
وبالنسبة لي، كانت قمة مار دي بلاتا فرصة للمقارنة بين رؤيتين للحرية على النحو الذي تجسده شخصيتان مثيرتان للجدل وهما: الرئيس بوش الذي شن حرب العراق قبل عامين من القمة بحجة تحقيق الحرية للعراق والشرق الأوسط الكبير، والأرجنتيني الأصل تشي جيفارا، بطل التحرر من الهيمنة الإمبريالية. فقد كان بوش يدعو لحرية الفرد، بينما دافع تشي عن الحرية الجماعية للاشتراكية. وفي الأرجنتين، لم أجد ترحيباً بدعوة بوش والأشخاص العاديين الذين قابلتهم في الشارع. والرئيس أوباما تمتع بوضع أفضل مع الناس في جميع أنحاء أميركا اللاتينية. لكنه لم يستطع قط التخلص من القناعة العميقة بين الكثيرين في المنطقة بأن نصف الكرة الغربي عموماً، لم يعد مهماً لواشنطن.
وستنهار هذه الصور التي تعتبر فيها أميركا قوة مهيمنة حميدة، لكنها غير مهتمة بالمنطقة بعد أن أصبح دونالد ترامب رئيساً. فقد أثار ريكس تيلرسون، وزير خارجية ترامب، قلق المنطقة من خلال الإشارة إلى إحياء مبدأ مونرو الذي يعود إلى القرن التاسع عشر لتأكيد هيمنة واشنطن في نصف الكرة الغربي. ولم يلق هذا الموقف توفيقاً في جميع أنحاء أميركا اللاتينية. وحين انعقدت قمة الأميركتين في بيرو عام 2018، لم يكلف ترامب نفسه عناء الحضور.
وحضر نائبه مايك بنس الذي لقي استقبالاً فاتراً تجلى فيه شدة تدهور علاقات الولايات المتحدة مع المنطقة. وتمر إدارة بايدن ببداية بطيئة وصعبة في التخطيط للقمة، لكن البيت الأبيض أوحى باهتمامه بالقمة بإرساله فريقاً رفيع المستوى إلى لوس أنجلوس. وشارك في القمة بايدن ونائبه كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن وسامانثا باور، مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وقد يكون أحد مقاييس النجاح النهائي للقمة هو تمكن الرئيس بايدن المعروف بحسن استغلاله للعلاقات الشخصية من إقامة علاقات شخصية جيدة مع زعماء دول أميركا اللاتينية. وقد يمثل تعامله اللطيف معهم فرصة لقصة صحفية جيدة.
*المراسل الدبلوماسي لكريستيان ساينس مونيتور.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»