إمارات المستقبل في العهد الجديد
يقول تقرير، صدَر مؤخراً عن الجامعة الأميركيَّة في القاهرة، إن المنطقة العربية تعاني عجزاً في التفكير في مستقبلها. ويذكر التقرير الذي شارك في إعداده نحو 40 خبيراً وأكاديميّاً ومسؤولاً عربيّاً، واستغرق نحو ثلاث سنوات، إن المستقبل غائبٌ عن الفكر السياسي والاستراتيجي العربي.
ويشير التقرير إلى أن العرب إمَّا عالقون في الماضي، وإمَّا منغمسون ومنشغلون بهموم الحاضر، ما يَحَدُّ من التفكير في المستقبل. وقد يكون هذا الوصف دقيقاً عربيّاً، وينطبق على كثير من الدول العربية، خاصةً تلك العالِقة في الماضي، والأخرى التي تضرَّرت من تداعيات ثورات الربيع العربي، ولكنَّه غير دقيق خليجيّاً، وحتماً لا ينطبق على حالة دولة الإمارات العربية المتحدة.
وما يميّز الإمارات أنها تركز على الحاضر، وتعطيه حقه، وتفكِّر في المستقبلَين القريب والبعيد، وتعطيهما أكثر من حقِّهما. وقد أصبح المستقبل ركيزة أساسيَّة من ركائز الفكر السياسي الإماراتي المعاصر، وركناً من أركان النشاط الحكومي، والعمل المجتمعي، والتخطيط التنموي والمعرفي، ولذلك فإن الإمارات من بين الدول القليلة التي تعرف أين ستكون عام 2030، وتدرك كيف يجب أن تكون عليه عام 2050، وهي من بين دول قليلة أسَّست وزارة للمستقبل، وربَّما هي الدولة الوحيدة في العالم التي أعلنت وثيقة مستقبليَّة مكوَّنة من 10 مبادئ لخمسين عاماً مقبلة عندما تحتفل بمرور 100 سنة على تأسيسها دولةً اتحاديَّةً مستقلةً.
ووثيقة الخمسين هي الآن دستور المستقبل. ولا أدلَّ على اهتمام الإمارات بالمستقبل من انتخاب المجلس الأعلى للاتحاد، الأسبوع الماضي، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيساً للدولة، وهو أحد أكثر قادة المنطقة نفوذاً وطموحاً وانشغالاً بالتفكير، ليس في مستقبل الإمارات فحسب، بل في مستقبل المنطقة كلِّها. ويأتي القائد المؤسس لمسيرة الخمسين عاماً المقبلة متسلِّحاً، أولاً بفكر سياسيٍّ مستقبليٍّ طموح، وثانياً بفريق عمل حكومي هدفُه أن تكون حكومة الإمارات أفضل حكومة في العالم عندما تحتفل بمئوية الاتحاد، وثالثاً بجيل إماراتي محبٍّ لوطنه، ومخلِص لقيادته، ومتعلِّم، ومنفتح، ومتعدِّد المواهب، ومواكِب لمتطلَّبات عصره وحاجاته، ورابعاً بموارد مالية ضخمة، وإمكانيات تقنية متجدِّدة، وإنجازات وطنية مدهشة، إضافةً إلى قيم مجتمعية مدنية وعصرية متجدِّدة. وعند مقارنة ما كان متاحاً للإمارات في مرحلة التأسيس الأولى ببداياتها المتواضعة، بما هو متوافر لها من تخطيط للمستقبل (2021-2071)، فإنه لا يوجد مجال للشكِّ في أن مستقبل الإمارات سيكون أفضل من حاضرها، كما أن حاضرها أفضل من ماضيها.
ولم يكُن الماضي سهلاً، ولا الحاضر تامّاً، ولن يكون المستقبل مكتمِلاً، وحتماً لن تكون طريق الخمسين عاماً المقبلة كحال طريق الخمسين عاماً الماضية، معبَّدةً ومفروشة بالورد، بل هناك تحديات داخلية، ومخاطر خارجية، ولكن مع انتخاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيساً وقائداً أصبح طريق الإمارات إلى المستقبل، بكل فرصه وتحدياته، أكثر وضوحاً واطمئناناً، ويتجه صعوداً.
أ. د. عبدالخالق عبدالله
*أكاديمي إماراتي