الاحتياطي الفيدرالي وأسعار الفائدة
إلى أي مدى سيرفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعارَ الفائدة؟ إنه سؤال حاسم، بالنظر إلى أن وجود تريليونات الدولارات في صورة أسهم وسندات في جميع أنحاء العالم تعتمد على هذا القرار.
وبالنسبة للأسواق، فإن الإجابة التي وردت في تصريحات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الأخيرة غير المطمئنة، حيث قال: ربما أعلى بكثير مما تعتقدون.
لم يقدم بأول توقعات محددة في آخر مؤتمر صحفي عقده الأسبوع الماضي، لكنه قدَّم بعض القرائن. فأولا؛ قال إن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتجه «بسرعة» نحو مستوى محايد لأسعار الفائدة، مما يعني زيادة بمقدار 50 نقطة أساس في كل اجتماع من الاجتماعات القليلة المقبلة. ثانياً؛ أشار إلى أن هذا المستوى المحايد قد يعني على الأرجح 22% إلى 3%، بافتراض أن التضخم كان عند هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. ومن حيث القيمة المعدلة حسب التضخم، فإن هذا معدل قصير الأجل تبلغ نسبته 0% إلى 1%.
إن العلاقة بين المعدل المحايد والتضخم تستحق اهتماماً أكبر بكثير مما تلقاه. وهذا يعني أنه إذا ظل التضخم الأساسي مرتفعاً، فإن الوصول إلى المعدل المحايد سيتطلب من بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يرفع المعدلات إلى أعلى بكثير بنسبة تتراوح بين 2% و3%. لن يكون تمييز اتجاه التضخم الأساسي أمراً سهلا، وذلك نظراً للتحولات الحادة في الطلب، نحو السلع في المقام الأول ثم نحو الخدمات في المقام الثاني، واستمرار الاضطرابات في سلسلة التوريد التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا وعمليات الإغلاق المرتبطة بـ«كوفيد-19» في الصين.
وبالنظر إلى سوق العمل، فإن التضخم الأساسي يتجاوز بكثير هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. فقد ارتفع متوسط الأجر في الساعة بنسبة 5.5% مقارنةً بالعام السابق، والذي -بافتراض نمو الإنتاجية بما يتراوح بين 1.5% و2%- يعني تضخماً بنسبة تتراوح هي أيضاً بين 3.5% و4%. وهذا بدوره يشير إلى معدل محايد للأموال الفيدرالية يبلغ حوالي 4%، أي أعلى مما تتوقعه أسواق العقود الآجلة حالياً.
ورغم ذلك فإنه حتى نسبة 4% يمكن أن تكون أقل من الواقع بسهولة. إذ قد يؤدي الضيق الاستثنائي لسوق العمل إلى ارتفاع تضخم الأجور. كما أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ما زال يقدم الحوافزَ من خلال حيازاته الهائلة من سندات الخزانة والرهن العقاري، والتي ستستغرق ثلاث إلى أربع سنوات للانتهاء. وطالما أن الاحتياطي الفيدرالي ما زال يحتفظ بهذه الأصول، فإن المعدل المحايد قصير الأجل سيكون أعلى مما سيكون عليه خلاف ذلك.
وعلاوة على ذلك، قد يحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى تجاوز الحياد بشكل كبير للسيطرة على التضخم. وقد رفض باول حتى الآن التعليق على هذا الاحتمال، بحجة أن البنك المركزي يجب أن يتعامل أولا مع الحياد قبل أن يقرر ما إذا كان سيواصل الضغط.
هذه المراوغة خطأ؛ فهي تعزز الانفصال المزعج بين التزام مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بكبح التضخم وعدم رغبتهم في شرح ما سيترتب على هذا الالتزام. من الصعب أن نتخيل أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يعالج باستمرار التضخم المرتفع بأكثر من الهدف دون رفع أسعار الفائدة بما يكفي لتخفيف حدة سوق العمل الضيقة للغاية. ومع ذلك، في توقعاتهم لشهر مارس، ما يزال المسؤولون يتوقعون انخفاض التضخم إلى نسبة قريبة من هدفهم حتى مع بقاء معدل البطالة أقل من المستوى الذي قدروا أنه متوافق مع التضخم المستقر.
وإذا كانت السياسة النقدية تعمل من خلال الظروف المالية، كما نتفق أنا وباول على ذلك، فلماذا نحجب ما هو ضروري لإبقاء التضخم تحت السيطرة؟ إذا دفعت رسائل البنك المركزي المشاركين في السوق إلى التقليل من شأن التشديد في المستقبل، فإن ذلك سيجعل الظروفَ الماليةَ أكثر مرونةً الآن، الأمر الذي يتطلب من الاحتياطي الفيدرالي القيامَ بالكثير من خلال معدلات قصيرة الأجل. والأسوأ من ذلك، أن التمويه الذي يقوم به بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يقوض مصداقيتَه، وبالتالي قدرتَه على القيام بعمله.
يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن يكون أكثر وضوحاً بشأن الوسائل المطلوبة لتحقيق أهدافه حول معدلات الفائدة والتضخم، فالصراحة التامة يمكن أن تجنب الجميع الكثير من المتاعب في النهاية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»