خليفة.. قائد «التمكين»
اللهم لا اعتراض، رحل رجل الدولة، الفاعل في صمته، الهادر في سكونه. نعلم في الدنيا أن المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رحمه الله، ربُّه راض عنه، وأمارة ذلك رضا الناس عنه، ولا نقول شعب الإمارات فحسب، فهذا لا ريب فيه، بل الناس حول العالم كله.
منذ عام 2004، إلى ساعة رحيله، غيّر المغفور له الشيخ خليفة الكثير ورسّخ الثوابت ترسيخاً، ابتداءً بـ«تمكين» الداخل وانتهاء بإعلاء شأن الدولة في الخارج على كل الأصعدة. الشيخ خليفة رجل الميدان، قبل أن يكون في الديوان، فبعد أن تولى رئاسة الدولة مباشرةً، توجَّه تلقاء أنحاء الوطن متابعاً شؤونَها عن قرب وموجهاً بوصلةَ التنمية تجاه حاجة الوطن والمواطنين فكانت مبادرة الشيخ خليفة للتنمية المتواصلة في مختلف القطاعات الحيوية بالدولة.
الشيخ خليفة كان صاحب فكر عملي دقيق يبحث في المشاريع عن جوهرها وليس في مظاهرها الخلابة، ولكي نوضح هذه الحقيقة نذكر إحدى زياراته لإمارة دبي، حيث زار «برج العرب» وكان في استقباله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله.
وأثناء الحديث الجانبي بينهما، لم يركز الشيخ خليفة اهتمامَه على الشكل الخارجي المبهر للبرج، بل كانت أسئلته الموجهة للشيخ محمد وكانت مفاجئة له، عن كلفة إنشائه والجدوى الاقتصادية لهذا المشروع المميز، والقيمة المضافة للاقتصاد، وغيرها من الأسئلة التي تدخل في صميم الاقتصاد الكلي. وكذلك كان ديدنه لدى لقاءاته مع بقية حكام الإمارات، إذ كان يتناقش معهم في التفاصيل، لكي تؤتي مبادرتُه ثمارَها كل حين بإذن ربها، وهو ما نشاهده اليوم عياناً، وبنياناً وعمراناً.
رحل الشيخ خليفة عنا تاركاً تاركاً إرثاً ثميناً لخمسين سنة قادمة. أرأيتم ميراث دولة كهذا الذي نحن بصدد بيانه؟ لقد أكد من قبل أن «دولة الإمارات تنطلق بإرث من الإنجازات نحو خمسين عاماً القادمة برؤية استراتيجية شاملة بعيدة المدى، منهجُها التميّزُ والتفرّدُ والريادةُ، وأهدافُها تأمين مستقبل سعيد وحياة أفضل للأجيال القادمة والارتقاء بمكانة الدولة وسمعتها واستدامتها وقوتها الناعمة، بحيث تكون بحلول الذكرى المئوية لتأسيسها من الدول الأفضل في العالم، واقتصادها هو الأقوى والأنشط».
ولتجسيد هذا المطلب المستقبلي المهم، أصدر قراراً بشأن اعتماد المبادئ العشرة لدولة الإمارات للخمسين عاماً القادمة. ونص القرار على توجيه جميع الوزارات والجهات والأجهزة الحكومية الاتحادية والمحلية في الدولة للالتزام بهذه المبادئ والاسترشاد بها في كافة توجهاتها وقراراتها، والعمل على تنفيذها عبر خططها واستراتيجياتها.
خليفة روح حية ومستمرة في صنوي هذه الدولة، آل نهيان وآل مكتوم، وبقية حكام الإمارات وشيوخها ومواطنيها.. إنه عنوان لقوة الاتحاد وقلعته المحصنة بعد عون الله، بالمبادئ العشرة. رحم الله خليفة وأسكنه فسيح جناته وجعله رفيقاً للمصطفى عليه الصلاة والسلام في الفردوس الأعلى من الجنة.
*كاتب إماراتي