الأسبرين.. ليس للجميع
إلى غاية وقت قريب كانت المعرفة الطبية السائدة توصي بتناول جرعات بسيطة بشكل منتظم من الأسبرين، كإجراء سهل وغير مكلف للوقاية من الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية. إلا أن هذه التوصية تغيرت مؤخراً، مع تزايد الإدراك بين الأطباء والعلماء بهامشية الفائدة المرجوَّة في غالبية الأشخاص الأصحاء، بل أن هذه الممارسة ربما تؤدي إلى نزيف في المعدة أو المخ لدى كبار السن. وقد خرجت مؤخراً مجموعة عمل خدمات الوقاية في الولايات المتحدة (Preventive Service Task Force) بتوصية جديدة تنص على أنه لا ينبغي لمن تخطوا سن الستين تناول جرعات يومية، حتى ولو بسيطة، من الأسبرين، للوقاية من أمراض القلب. وإن كان يمكن لمن هم في العقد الرابع أو الخامس من العمر، وبعد التشاور مع طبيبهم المعالج، تناول مثل هذه الجرعات في ظروف معينة ومحددة، إذا ما كان خطر إصابتهم بالذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية مرتفعاً. وتأتي هذه التوصيات في وقت تحتل فيه أمراض القلب والشرايين رأس قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري، حيث تتسبب هذه الطائفة من الأمراض وحدَها في أكثر من 15 مليون وفاة بشرية سنوياً، غالبيتها بسبب الذبحة الصدرية والسكتة الدماغية، بينما يحتل ارتفاع ضغط الدم بالتحديد رأسَ قائمة أسباب الوفيات الممكن تجنبها، أي التي تمكن الوقاية منها أساساً. وهو ما يجعل الوقاية من أمراض القلب والشرايين، وخصوصاً ارتفاع ضغط الدم، أحد أهم الأهداف الرئيسية في سعي الطب الحديث لمكافحة ما يعرف بالوفيات المبكرة. وحتى وقت صدور التوصيات الأخيرة من قبل مجموعة عمل خدمات الوقاية الأميركية، شكَّل الأسبرين أداةً مهمةً في تحقيق الوقاية من أمراض القلب والشرايين. لكن، إذا ما كان الشخص في الأربعينيات، ويتمتع بصحة جيدة، ولا توجد لديه عوامل خطر مهمة، فساعتها سيتسبب الأسبرين اليومي في ضرر يتخطى المنفعة، حيث سيزيد من احتمالات التعرض لنزيف داخلي تلقائي. لكن، إذا ما كان المرء قد تعرض سابقاً لذبحة صدرية، أو سكتة دماغية، أو غيرهما من اضطرابات الدورة الدموية، أو خضع لعملية توسيع لشرايين القلب، وتم وصف جرعة يومية من الأسبرين له من قبل طبيبه المعالج، ضمن ما يعرف بالوقاية الثانوية، فلا يجب التوقف ذاتياً عن تناول الدواء، بل عليه مراجعة الطبيب المعالج حول التوصيات الجديدة. وجدير بالذكر أنه تتوفر حالياً مجموعة متنوعة من العقاقير المختلفة، التي تستخدم لعلاج أمراض القلب والشرايين، أو لعلاج ارتفاع ضغط الدم، أو لتحقيق الوقاية من عوامل الخطر التي تسبب هذه الأمراض، مثل خفض الارتفاع المرضي في نسبة الكوليسترول في الدم، أو التحكم في مستوى السكر لدى المصابين بداء السكري.
*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية