لماذا يريد بايدن أن يكون ترومان؟!
كل الرؤساء الأميركيين الذين لا يحظون بشعبية ينظرون إلى هاري ترومان. لكن الرئيس جو بايدن لديه أسباب أخرى للقيام بذلك. ليس فقط لأن ترومان فاز بولاية ثانية، على الرغم من كونه لا يحظى بشعبية.
يجب أن ينظر بايدن إلى ترومان لأن الأخير هو أيضاً الرئيس الذي يرمز للاختلاف بين الرأي العام المعاصر والسمعة التاريخية. هذا الأمر يُثار لأن بيري بيكون جونيور، من صحيفة «واشنطن بوست»، لديه عمود يساوي معدلات التأييد المنخفضة –التي يحصل عليها بايدن– مع الفشل. صحيح أن تقييمات التأييد هي على الأقل مقياس موضوعي، لكنها لا تقيس نجاح الرئيس أو فشله.
يقول بيكون: «إلى حد كبير، كانت حملة جو بايدن الناجحة لعام 2020 ونهجه في تولي منصب الرئاسة مبنية على فكرة أن سياسياً كبيرَ السن من البيض المعتدلين يركز على أمور مثل الاقتصاد وفيروس كورونا، ويتجنَّب قضايا مثل الإجهاض، يمكن أن يخفف من الانقسامات الحزبية في البلاد، ويعيد بعض الناخبين البيض إلى الحظيرة الديمقراطية». بل أكثر من ذلك، يقول بيكون: «بايدن ومستشاروه يعتقدون أيضاً أنه سيكون أكثر فاعليةً من باراك أوباما، لأن الناخبين البيض المحافظين سيشعرون بأنه يمثّل لهم تهديداً أقل وسيكون الجمهوريون في الكونجرس أكثر استعداداً للعمل مع زميل سابق منذ فترة طويلة».
لقد تحدث بايدن، مثل معظم المرشحين، عن توحيد الأمة. وعلى الرغم من أن تقييمات القبول موضوعية بالتأكيد، إلا أنها واحدة فقط من المؤشرات الأربعة عشر التي جمعتُها أنا وزملائي في «بلومبيرج أوبينيون» لتقييم تقدم بايدن.
ويمكن للقراء اقتراح عدد غير قليل من المقاييس الأخرى. من المسلّم به أن أشياء مثل معدلات التضخم أو جرائم القتل أو نظرة الرأي العام إلى الولايات المتحدة في الدول الحليفة لها.. ليست تماماً نتائجَ لأفعال بايدن. لكنها أيضاً ليست تقييمات للقبول. في هذه المرحلة، سأعطي بايدن نظرةً عامةً غير مكتملة، لكن هناك حالة يجب إثباتها، وهي أن إنجازاته، مثل إنجازات ترومان، ستبدو أفضلَ في وقت لاحق.
في السياسة الخارجية، من المرجح أن يُنظر إلى بايدن على أنه الرئيس الذي أنهى حرباً مضللةً في أفغانستان أكثر من كونه شخصاً أفسد عملية الخروج. يمكن أن ينتهي الأمر بمظهر أفضل في هذه النتيجة من ترامب أو أوباما. وحتى الآن على الأقل، يبدو أن بايدن يقوم بعمل ممتاز في الحفاظ على وحدة حلف «الناتو» في مواجهة الحرب الروسية في أوكرانيا. هذا ليس مناسباً للمساعدة في معدلات تأييده.
ومع ذلك فإن هذا لا يكاد يكون فشلا(على الرغم من أن سجله في هذه المرحلة غير مكتمل). من المحتمل أيضاً أن تبدو الإنتاجية التشريعية خلال العامين الأولين لبايدن أفضل بعد فوات الأوان. وتركز التقارير المعاصرة بشكل مفهوم على ما لم يتم إنجازه، وكما هو الحال مع جميع الرؤساء «الديمقراطيين»، فهذه قائمة طويلة جداً.
لكن من المرجح أن ينتهي العامان الأولان لبايدن بمقارنتهما بأول عامين لكل من أوباما وجورج دبليو بوش، وستبدو أكثر إنتاجيةً بكثير من تلك الخاصة بجيمي كارتر وبيل كلينتون ودونالد ترامب. وعلى الرغم من تلاشي جزء كبير من الأجندة الطموحة للديمقراطيين، فقد تم تمرير الكثير من التشريعات، والتي حصل الكثير منها، وعلى الأخص مشروع قانون البنية التحتية، على دعم «جمهوري» كبير. من الصعب تحديد ما إذا كان ذلك يؤكد مزاعم بايدن بأنه جيد بشكل فريد في «العمل عبر الممر». لكن من المؤكد أنه حدث في العديد من الموضوعات، غير أنه فقط ليس بالقدر الكافي لإرضاء النشطاء الليبراليين.
ومن شبه المؤكد أن هذا نتيجة للأغلبية الديمقراطية الصغيرة تاريخياً في كلا الغرفتين. لقد أعطى الناخبون، بدون أي أخطاء في الاستراتيجية التشريعية في البيت الأبيض أو في الكونجرس، سناتور وست فرجينيا «جو مانشين» (وفي هذا الصدد كل ديمقراطي آخر) حقَّ النقض. أي حفنة من أعضاء مجلس النواب لديهم نفس القوة. وبالنظر إلى ذلك، كانت الإنتاجية التشريعية مثيرة للإعجاب، ولم تكن علامة على الفشل. أما إن كانت مشاريع القوانين التي تم إقرارها، خاصة البنية التحتية ومشروع قانون الإغاثة الرئيسي في أوائل عام 2021، جيدة للأمة بالفعل أم لا، فهذه مسألة منفصلة. الدرجة المناسبة غير مكتملة وليست فشلا أو نجاحاً.هناك الكثير من مشاريع القوانين الأخرى، يبدو أن بعضها ناجح في الوقت الحالي (توزيع اللقاح) والبعض الآخر ليس كذلك (إقناع الناس بتلقي جرعة معززة من اللقاح). مرة أخرى، من السابق لأوانه معرفة ذلك. لكني سأمنح بايدن الكثير من الفضل لاستعادة العمليات العادية للبيت الأبيض والفرع التنفيذي في نفس الوقت مع جلب مجموعة أكثر تنوعاً من الحكام المهنيين أكثر من أي وقت مضى. من المحتمل أن يكون هذا تغييراً دائماً في كيفية حكم الأمة الأميركية ومَن يقوم بذلك.
كانت العمليات الطبيعية الواعدة والتنوع الأكبر من الأمور الرئيسة بين الوعود التي قطعها بايدن كمرشح. وكلاهما مثالان على ما يكون للرؤساء تأثير كبير عليه، أكثر بكثير من النتائج في الشؤون الخارجية والاقتصاد والتشريع.يُعتبر هاري ترومان بحق رئيساً عظيماً أو شبه عظيم. ليس لدي أي فكرة في هذه المرحلة عن المسار الذي يسير فيه بايدن. ومع ذلك، أنا واثق من أننا لن نتعلم الكثير عنه من تقييمات قبوله الحالية.
*أستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس وكاتب عمود في «بلومبيرج أوبينيون»
* ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»