لحظة.. عيدروس الزبيدي
هي لحظة من التاريخ العربي الجديرة بالكثير من التقدير والتثمين، لما تمثله من قيمة نضالية في زمن شحيح بإفرازتها الجليلة في واقعنا المعاصر، فلطالما فشلت حركات التحرر الوطني في تقديم نجاحاتها خاصة مع تمترس قوى الإسلام السياسي، وما زرعته من ألغام حول القضايا العربية الوطنية، وبإعلان قيام المجلس الرئاسي في اليمن وتنصيب عيدروس الزبيدي عضواً ضمن هذا الكيان السياسي يكون الرجل بقضيته في لحظة من التاريخ ليست مثل ما قبلها وليست كما بعدها.
الجنوبيون في عام 1990 سلموا لشمال اليمن بلدهم، بل في الحقيقة سلموا مستقبلهم تحت ذرائع الشعارات القومية الزاحفة لوجدان الجنوبيين الذين لطالما كانوا فاعلين في الحركة القومية في القرن العشرين، وقعت الكارثة في 1994 وسقط الجنوب كاملاً بقوى الشمال القبلية والاسلاموية، كان السقوط صعباً وقاسياً فثمن القرارات الجنوبية الحالمة بوحدة جامعة صدمت بوحشية من الطرف الذي يفترض به أن يكون شريكاً فإذا به طامعاً غادراً.
يذكر التاريخ أن الضالع التي ينحدر منها عيدروس الزبيدي كانت عصية على الهزيمة وظلت تقاوم حتى الرصاصة الأخيرة لتسقط معها الراية الجنوبية، وتبدأ من سفوح جبالها حركة النضال الوطني الجنوبية، بينما شكلت انتفاضة المكلا في العام 1997 شرارة أشعلت الحركة الجنوبية في مسعى استعادة الهوية والدولة، توالت الزفرات الثورية وكانت تلك الأنباء المتداولة عن جسارة المقاومة التي تشكلت نواتها على يد ضباط وجنود مطاردين تزيد من عزائم القوى الجنوبية على الامتداد الجغرافي من باب المندب وحتى المهرة.
تأسست حركة حق تحرير المصير (حتم) على يد عيدروس الزبيدي ضمن قوة مقاومة ترافق الزخم الثوري المتنامي الذي نجح بعد سنوات من تشكيل الحراك الجنوبي، وهو التجسيد الشعبي للمطالب التي كانت تغطي كافة شرائح المجتمع، والتي تأطرت في جمعية العسكريين المتقاعدين والمسرحين في ردفان عام 2006، ولم يمنع عيدروس الذي كان قد أصدر نظام صنعاء حكماً غيابياً عليه بالإعدام أن يتراجع بل إن كل قرارات النظام السياسي اليمني كانت تشكل دفعة معنوية شعبية تمنح القوى الوطنية كثير من الرصيد الذي تعزز يوماً بعد آخر حتى اهتز النظام السياسي وعاد الحوثي ليغزو الجنوب مجدداً في العام 2014.
شكلت عدن نقطة ارتكاز في تقاطعات سياسية حادة نجحت من خلالها المقاومة الجنوبية في تقديم قضيتها الوطنية ضمن مجموعة التشكيلات التي كان يُعدها عيدروس الزبيدي، وتلك المقاومة التي استندت عليها عملية «عاصفة الحزم» من خلال العمليات المتقدمة للقوات المسلحة الإماراتية التي ساندت عناصر المقاومة في معركة ممتدة تكللت بتحرير عدن وتأمين باب المندب ثم توسعت العمليات لتحرير المحافظات الجنوبية لتشمل مكافحة الإرهاب حتى تم استكمال تطهير الجنوب كاملاً.
إعلان عدن التاريخي في مايو 2017 كان اللحظة التاريخية الأكثر عنفواناً، فهي توجت مسيرة طويلة من الحراك السلمي الجنوبي جسدته في المجلس الانتقالي الجنوبي بتفويض شعبي منح قيادة المقاومة الامتياز السياسي الكامل لقيادة الحركة الوطنية نحو استعادة الدولة، ترأس عيدروس الزبيدي رئاسة المجلس وتعهد بالسير مع القيادة السعودية والإماراتية ضمن التحالف بما يضمن تحقيق الهدف السياسي الجنوبي، منعطف من المنعطفات الحادة في مواجهة تحديات جسيمة أوصلت المجلس الانتقالي لموضع ثقة عالية في المحور العربي، فلم تستطع كل القوى إسقاطه حتى صعد عيدروس وقضية الجنوب إلى مجلس الرئاسة اليمني في مخرج ملائم.
فالجنوب دخل الوحدة من مجلس رئاسي، وها هو يستعد لاستقلاله الثاني من مجلس رئاسي مع تعهدات إقليمية بمسار تفاوضي لقضية الجنوب بحاملها السياسي وبمناضلها عيدروس الزبيدي في لحظة إنصاف واستحقاق جديرة بالتقدير والاحترام.
هاني سالم مسهور*
* كاتب يمني