طموحات الهند التقنية
تبدو الهند عاقدة العزم على بناء استقلالها التكنولوجي، حيث رصدت 10 مليارات دولار لصناعة أشباه الموصلات وشاشات العرض. كما أنها تحرص على تأكيد استقلاليتها في السياسة الخارجية عبر الميل نحو موسكو مما يثير استياء واشنطن. وربما يجدر بنيودلهي رؤية العلاقة بين هذين الموضوعين والتفكير في مسار العمل المقبل.
قرار الهند الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة للتنديد بالهجوم الروسي على أوكرانيا لا يُنظر إليه بعين الرضا من قبل الولايات المتحدة أو حلفائها الكثيرين. ولئن كان ذاك التصويت رمزيا فقط، فكذلك الحال بالنسبة لامتناع نيودلهي عن التصويت.
والأرجح أن ذاك النوع من الإشارات لن يتم تذكره في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية فحسب، ولكن بين أعضاء الكونجرس أيضا. وقد تكون هناك أسباب قوية للانحياز إلى موسكو. فالهند تعتمد على روسيا في اقتناء الأسلحة. كما أنه لا يمكن تجاهل احتياجاتها من الطاقة أيضا. إذ تفيد بعض التقارير بأن روسيا عرضت على الهند تخفيضا قدره 35 دولاراً عن كل برميل نفط، وهو ما يمثّل صفقة رائعة في الواقع بالنظر إلى الزيادة في أسعار النفط العالمية التي أعقبت الغزو.
وفي دولة ديمقراطية، يواجه الزعماء مثل رئيس الوزراء ناريندرا مودي خطراً كبيراً إن تجاهلوا احتياجات الشعب الأساسية، مثل توافر الطعام والطاقة بأسعار في المتناول. وفي الأثناء، يمكن لتبني قناة الاتصال المالي الروسية، «إس بي إف إس»، التي تُعد بديلا لنظام «سويفت» المستخدم على نطاق واسع، أن يدعم التجارة بين البلدين. غير أن القيام بذلك من شأنه أن يزيد من إزعاج الولايات المتحدة وحلفائها الذين يريدون استخدام نظام «سويفت» لمراقبة احترام العقوبات.
وقد يكون من المغري (بل ربما من المحمود) أن لا تلتفت الهند لهذه التخوفات وتشق طريقها الخاص بها في السياسة الخارجية. فالقادة القوميون لا يريدون أن يبدو مرتهنين للقوى الكبرى. غير أن الولايات المتحدة هي التي تملك مفتاح مستقبل الهند التكنولوجي.
وعليه، إذا كانت الهند ترغب في أن تكون لها صناعة قائمة حول الرقائق والإلكترونيات، فإنها لا تستطيع تحمل كلفة عزلها، كما تؤكد سناء هاشمي، الزميلة الزائرة في مؤسسة التبادل بين تايوان وآسيا في تايبيه. وقالت هاشمي في هذا الصدد: «إن مخططات الهند طموحة بكل تأكيد ولكن من الصعب تحقيقها من دون انخراط خارجي»، مضيفة «إذا كانت الهند متقدمة في خدمات تكنولوجيا المعلومات والجوانب المتعلقة بالبرمجيات، فإنها في حاجة إلى تعاون بخصوص الجزء المتعلق بالأجهزة والمعدات». والأكيد أننا بعيدون جدا عن منع الولايات المتحدة الهند من الوصول إلى التكنولوجيا. فواشنطن تريد من الهند أن تنجح لعدة أسباب اقتصادية وجيوسياسية.
وما زيارة الرئيس التنفيذي لشركة «إنتل» بات جلسينجر إلى الهند الأسبوع الماضي إلا مؤشر على تعاظم مكانتها في القطاع التكنولوجي. ولكن الولايات المتحدة تملك المفتاح، ذلك أن أهم التكنولوجيات، والشركات التي تصنعها، أميركية، ثم إن الاتجاه العام في الوقت الراهن هو في الاتجاه الآخر: في العودة إلى الولايات المتحدة، حيث خصص الكونجرس حزمة بقيمة 52 مليار دولار لتطوير قطاع أشباه الموصلات، في وقت تخطط فيه أوروبا لتدابير مماثلة. على أنه من المحتمل أيضاً إعادة توجيه عمليات التجميع النهائي، من الحواسيب إلى السيارات، وسط احتدام الحساسيات السياسية بسبب نقل الكثير من التكنولوجيا وسلاسل التوريد إلى بلدان بعيدة جغرافياً.
*كاتب متخصص في التكنولوجيا.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»