تحديات المستقبل والإنفاق الدفاعي الأميركي
يقترح طلب الميزانية الذي قدمه الرئيس جو بايدن زيادة قدرها 31 مليار دولار في الإنفاق الدفاعي في السنة المالية المقبلة. قد يبدو هذا كثيراً، لكن زيادة بنسبة 4% لا تضاهي حتى نسبة التضخم البالغة 7.9%، ناهيكم عن احتياجاتنا الملحة. ويجب على الكونجرس أن يعزز هذه الزيادة مرتين على الأقل. والمثالي أن تزيد هذه النسبة أكثر من ذلك بكثير. فالولايات المتحدة هي عماد الأمن العالمي للديمقراطيات في كل مكان. ودورها القيادي في حلف شمال الأطلسي (الناتو) يحمي أوروبا من الهجوم الروسي بينما تحمي سلسلة من الترتيبات الدفاعية الثنائية الديمقراطيات الآسيوية. كما أن للولايات المتحدة التزامات في الشرق الأوسط وتحارب الإرهاب وتهريب المخدرات في أفريقيا وأميركا اللاتينية. وهذا عبء ثقيل على أي أمة. والولايات المتحدة كانت لسوء الحظ ترزح تحت وطأة هذا العبء حتى قبل أن يُظهر الهجوم الروسي على أوكرانيا أن احتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة أعلى مما كان متوقعا.
والرئيس جورج دبليو بوش انتقل بتركيز القدرة العسكرية الأميركية بعيدا عن مواجهة القوى العالمية الكبرى إلى خوض حروب صغيرة ضد الإرهابيين أو غيرهم من المعارضين غير النظاميين. وربما كانت تلك الصراعات الأصغر منطقية حينذاك، نظرا لضعف الصين وروسيا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وبعد أكثر من 20 عاما، هذا يعني أن أنظمة الأسلحة الأميركية الكثيرة تقترب من نهاية عمرها الافتراضي. ومن ناحية أخرى، تقوم الصين بتطوير هائل لجيشها مستخدمة تكنولوجيا على أحدث طراز.
واقترت الولايات المتحدة في الإنفاق على القوات اللازمة للوفاء بالتزاماتها. وخلال الحرب الباردة، اقتضت الإستراتيجية الدفاعية للدولة امتلاك القدرة على خوض حربين كبيرتين في وقت واحد، تماما كما فعلت ضد ألمانيا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية. ومازالت التزاماتنا الدفاعية قد تقتضي منا القيام بذلك إذا تعرضنا لهجمات منسقة على الغرب. لكننا لم نعد نتمتع بالمكانة العسكرية القادرة على الوفاء بهذا الاقتضاء. وتستدعي استراتيجية الدفاع الأميركية الآن امتلاك قدرة على خوض حرب كبرى واحدة. وإعادة بناء قدرة الجيش على القتال في أوروبا وآسيا في وقت واحد يعني بناء قوات أكبر مما تمتلكه الولايات المتحدة الآن من قوات، والقوات الجوية والبحرية منها بخاصة.
الزيادة الدفاعية التي اقترحها بايدن البالغة 4% هزيلة مقارنة بتلك الاحتياجات. وتستشرف خفض عدد القوات هذا العام وليس زيادتها. والزيادة المقترحة في رواتب الجنود وموظفي وزارة الدفاع لا تستوعب التضخم في الواقع. وخبراء الدفاع كانوا قد طالبوا بزيادة سنوية بين 3% و5% فوق نسبة التضخم قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا. وربما يكون هذا صغيرا للغاية الآن نظرا للتهديد الملح الذي تواجهه الديمقراطيات حول العالم. ومواجهة التحدي الروسي يجبر الولايات المتحدة على نشر عدد أكبر من القوات في أوروبا وبناء قواعد أكثر بالقرب من حدود روسيا. ونقل الدروع الثقيلة ووحدات القوات الجوية والأصول الأخرى يكلف المزيد من الأموال. وتجديد واستبدال هذه الأصول حتى تظل الاحتياطيات الاستراتيجية الأميركية قادرة على مواجهة تحدياتنا الأخرى سيكلف أكثر. وميزانية بايدن تقدم أقل بكثير مما يلبي هذه الاحتياجات الأساسية.
وحلفاء الولايات المتحدة تصرفوا بحيوية أكبر. فألمانيا تعتزم زيادة ميزانيتها الدفاعية 33% خلال عامين فقط لتعزيز دفاعاتها الضعيفة. ويخطط حلفاء آخرون في الناتو زيادة إنفاقهم الحقيقي كثيرا في السنوات المقبلة. والجدير بالذكر أن اليابان قيدت إنفاقها الدفاعي في حدود 1% من إنتاجها المحلي الإجمالي على مدار عقود، لكنها تعتزم تجاوز هذه الحدود الآن. وعلى النقيض من هذا، يقلص اقتراح بايدن الإنفاق الدفاعي الأميركي كحصة من الإنتاج المحلي الإجمالي. وهذه ليست الرسالة التي يجب على زعيم عالمي بثها. ويجب على الكونجرس تقديم نموذج للقيادة الذي لم يقدمه بايدن. فقد أعلن زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، «الجمهوري» ميتش مكونيل، أنه يجب زيادة الإنفاق الدفاعي 5% فوق معدل التضخم. ويجب أن يكون هذا هو الحد الأدنى الذي ينطلق منه الكونجرس وليس سقفه. وحتى هذا سيكون مكلفا. ونسبة 5% فوق معدل التضخم تعني زيادة بنسبة 13% تقريبا عن رقم العام الماضي، أو نحو 95 مليار دولار. لكن علينا أن نقارن هذا بالزيادة الأخيرة في الإنفاق الدفاعي الألماني البالغ 100 مليار يورو في اقتصاد يبلغ نحو 20% من حجم اقتصادنا. وإذا كان بوسع ألمانيا القيام بهذا فأننا أيضا نستطيع.
وقد كان الكونجرس على مستوى التحدي السنة المالية الماضية، حين وافق على 740 مليار دولار لوزارة الدفاع بدلا من 715 مليار دولار اقترحها بايدن. وتخطي طلب بايدن مرة أخرى سيبدأ في إعادة بناء أمننا القومي ويظهر لحلفائنا أن بأس قوتنا، إذا لزم الأمر، يضاهي خطابنا.
ينشر بترتيب خاص مع «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»