احتساب الانسكاب والاحتواء
استهداف أربيل في 13 من مارس الجاري من قبل الحرس الثوري الإيراني (ذراع طهران الخارجية) احتوى رسائل عدة، أولها أنه لم يكن قراراً لحظياً أو انتقامياً من قبل الحرس الثوري على خلفية العملية التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي على دمشق ونتج عنها خسارة الحرس الثوري لاثنين من جنرالاته الميدانيين في 8 من مارس الجاري.
وذلك ما حاولت طهران إخراج الأمر عليه إقليمياً ودولياً، إلا أنه مثل قدرتها على التوظيف الأمثل للحالة السياسية الناشئة عن الأزمة الأوكرانية، وإثبات قدرتها على المناورة عبر العناصر المتحركة للأزمة، وخصوصاً بعد فشل اعتداءات أحد وكلائها (الحوثي) على الإمارات في تحقق الأهداف السياسية المرجوة منها. خلط الأوراق هي السمة الثابتة في سياسات إيران الخارجية شرط خدمتها لملفاتها الاستراتيجية، إلا أنها كانت تطمح في تحقيق مكاسب تكتيكية بالضغط على واشنطن لرفع الحظر عن صادراتها النفطية كما فعلت مع فنزويلا لتعويض حصة روسيا.
ولم تكتف طهران بذلك، بل توافقت وموسكو على تعطيل توقيع اتفاق العودة إلى الاتفاق النووي في فيينا وذلك خدمة للحليف الروسي شكلاً وملفاتها الإقليمية ضمناً. لذلك عمدت واشنطن لاحتواء الموقف عبر تقديم عرض آخر، وهو رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات المصنفة «إرهابية» وذلك ما أكدته لاحقاً عدة مصادر من واشنطن وليس آخرها موقع «اكسيوس» الإخباري، بالإضافة لشخصيات سياسية أميركية وإسرائيلية مقربة من دوائر صنع القرار في واشنطن.
انسكابات الأزمة الأوكرانية على ملفاتنا الإقليمية ليس بالأمر الجديد، ولم ينحصر تأثير أخرى فقط على ملفات إيران في فيينا، إلا أن إعراب واشنطن استعدادها عن رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب عبر عن حجم التعثر، إنْ لم نقل التخبط الذي تمر به إدارة الرئيس بايدن في إدارة الأزمة الأوكرانية. واشنطن أخفقت كذلك في التواصل بشكل فاعل «سياسياً» مع حلفائها الخليجيين لاحتواء حالة الإرباك التي اعترت أسواق الطاقة، تحسباً لفرض واشنطن لعقوبات على صادرات روسيا من النفط والغاز، وبدل زيارة مقترحة للرياض من قبل الرئيس بايدن، اختارت واشنطن ابتعاث رئيس الوزراء البريطاني لإتمام ذلك.
وما سقط من تقديرات واشنطن سياسياً هو قدرة الرياض وأبوظبي في المناورة سياسياً عبر العناصر المتحركة للأزمة الأوكرانية، فقد أعلن الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عن استضافة الرياض لجولة مباحثات مباشرة بين جميع أطراف الملف اليمني تحت مظلة سياسية موحدةً للجهد، ولإقفال باب التباينات التي لطالما تعثر بها الجهد الخليجي. وكذلك كان استقبال الإمارات للرئيس السوري بشار الأسد في إشارة واضحة للمجتمع الدولي بأن هناك إرادة إقليمية قد تخلّقت وبأدوات متناسبة.
* كاتب بحريني