بوتين.. إرادة السلم والاستعداد للحرب
يستدعي المشهد الدولي على الحدود الروسية - الأوكرانية التساؤل:«هل الرئيس بوتين يعمل بالقاعدة المعروفة «إن أردت السلم استعد للحرب»؟.
غالب الأمر هذا ما يحدث، وإن كان ما يدور في رأس بوتين يعجز عن فهمه كبار رجالات الاستخبارات الغربية، أميركية وبريطانية وما بينهما. هل يريد بوتين الحرب أم السلم؟
المتابع للتصريحات الخارجة من الدائرة المحيطة برجل الاستخبارات الروسية السابق، ولا سيما وزير خارجيته، سيرجي لافروف يقطع بأن الجميع هناك يدرك فداحة الصراع المسلح، عطفاً على أن القيادات الروسية تعلم علم اليقين، أن هناك فخاً منصوباً لروسيا، العنقاء التي استيقظت مرة أخرى من الرماد لتقطع الطريق، بشكل أو بآخر على العم سام، والذي خُيّل له أنه انفرد بمقدرات العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي....هل هذا رأي الروس فقط، أم أن هناك من يشاركهم ذات التوجه على الجانب الآخر من الأطلسي، أي من داخل الولايات المتحدة الأميركية عينها؟
قبل نحو أسبوع، تحدث ديمتري سايز مدير تحرير مجلة «ناشونال انترست» الأميركية ذائعة الصيت، عن عدم وجود نية لدى الروس للقيام بغزو شامل لأوكرانيا. سايز ومن خلال أحاديث مطولة من عدد من النخبة الروسية، خلص إلى أنه لا نية للحرب بالمرة، وأن موسكو ليس لديها خطط عدوانية أو رغبة في شن حرب، غير أن حديث تلك النخبة يمضي في أتجاه، وتحركات القوات المسلحة الروسية تشي باتجاه آخر.
خذ إليك وجود نحو مائة ألف جندي روسي على الحدود مع موسكو من جهة، عطفاً على نحو ثلاثين ألفاً آخرين على حدود بيلاروسيا، الجارة الحليفة، والتي تتجهز من خلالها قوات النخبة الروسية للقيام بأي عمل حال القارعة.
لماذا يتصرف بوتين على هذا النحو؟ في واقع الحال وبحسب سطور التاريخ القريب لا البعيد، تعرضت روسيا لحالة من الغبن من قبل «الناتو»، ذاك الذي وعد قبل ثلاثة عقود بأن قواته لن تتقدم شبرا واحدا بالقرب من الحدود الروسية، واليوم يسعى إلى نصب صواريخه الباليستية في العاصمة الأوكرانية كييف وما حولها، كما جرب من قبل عام 2008 في جورجيا، هناك حيث وجد» يد روسيا متحفزة، ثم نافذة في شوارع تبليسي. لم تقصر إدارة بايدن في بعث رسائلها العسكرية، الأمر الذي فسره الروس بأنه مرآة يمكن للعالم أن يرى فيها نوايا العم سام العسكرية تجاه الدولة الروسية، والبداية بنحو ثلاثة آلاف جندي تم إرسالهم إلى بولندا ورومانيا.
هل ينوي الأميركيون إشعال الحرب؟ المتحدث باسم البنتاجون، جون كيربي أكد وبما لا يدع مجالا للشك أن القوات الأميركية غير ذاهبة للحرب بحال من الأحوال، وإنما لإخبار القيصر بوتين بأنه حال تفكيره في غزو أوكرانيا، سيكون الناتو هناك، وفي الحق إنها رسالة متضاربة.
لا يريد بوتين حرباً بالفعل، لكن الناتو بقيادة الولايات المتحدة لا يتجاوب مع مخاوفه الأمنية، ولعل الرد الأميركي على المقترحات الروسية، ذاك الذي تم تسريبه غالباً من جانب الأوكرانيين إلى جريدة «الباييس» الإسبانية، يبين عمق الهوة بين مواقف الطرفين. هل يكون منتصف فبراير الجاري موعد الفصل قبل أن تذوب ثلوج أوكرانيا؟ بإرادة السلم والاستعداد للحرب يتجهز بوتين لكل الخيارات.
* كاتب مصري