حاجة العالم لتقييد استخدام «أسلحة تقليدية معينة»
احتضنت جنيف اجتماعاً كان يمكن أن يشكّل اللحظة التي منع فيها العالم سباق الأسلحة النهائي – أو بدأه. أما الأسلحة المعنية، فهي الروبوتات القاتلة. الأمم المتحدة جمعت مجموعة من الدبلوماسيين وخبراء الأسلحة من أجل مراجعة واحدة من أهم معاهدات العالم وأقلها شهرة: اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة. ومصدر الخطر هو عالم مستقبلي قد يتعرف عليه عشاق سلسلة أفلام «ذا تِرمينايتور» («المدمِّر»).
ولكن إذا كان ذلك مجرد خيال محض، فإن هذا واقع حقيقي جداً. المعاهدة، التي أسست عام 1983، تم تحديثها بشكل دوري لتقييد استخدام بعض من أكثر تكنولوجيات الأسلحة التقليدية ضرراً في العالم والتي تمثّل خطراً كبيراً للمدنيين الأبرياء. وتشمل قائمة هذه التكنولوجيات الألغام الأرضية، والمفخخات، والأسلحة الحارقة، والذخائر غير المتفجرة، والأسلحة التي تخلق شظايا غير قابلة للاكتشاف تجعل علاج الجروح شبه مستحيل. المطلوب إضافة أنظمة الأسلحة المستقلة إلى تلك القائمة.
الأسلحة المستقلة تستطيع انتقاء أهداف والاشتباك معها من دون إشراف بشري بمجرد تفعيلها. وتستطيع التكنولوجيا، التي ما زالت في مهدها، أن تغيِّر بشكل دائم وكارثي طبيعة الحرب. وقد شرعت الجيوش الوطنية والمنظمات الإنسانية منذ بعض الوقت في الاستعداد والتحضير لسيناريو طائرات من دون طيار قاتلة عصية على التعقب تستهدف زعماء سياسيين، وأسراب روبوتات تقهر الأنظمة الدفاعية المستقبلية بسرعات تفوق سرعة البشر، وروبوتات لا يمكن التنبؤ بها تستخدم مع أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية.
وهذه مجرد البداية. فالحدود الوحيدة لقدرات الأسلحة المستقلة هي الحدود التي قد يواجهها الذكاء الاصطناعي نفسه. منظمات إنسانية عبر العالم، من منظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى «حملة وقف الروبوتات القاتلة»، تسعى منذ سنوات لحظر تطوير هذه الأسلحة، وقد انضم 30 بلداً على الأقل إلى هذا الجهد.
ومؤخراً، اتخذت نيوزيلندا دوراً قيادياً في الحركة العالمية المناهضة للأسلحة المستقلة. وبالمقابل، اتخذت الولايات المتحدة دوراً قيادياً في تخريبه. وفي هذا الصدد، قال المسؤول بوزارة الخارجية الأميركية جوش دوروزن: «نعتقد أن أفضل طريقة لتحقيق تقدم... هي من خلال تطوير مدونة سلوك غير ملزمة».
مدونة قواعد غير ملزمة تدعم بشكل فعلي تطوير التكنولوجيا وتضيف في الوقت نفسه تأكيدا على أن هذه التكنولوجيا ستُستخدم بشكل مسؤول، وذلك كالتفاتة لإرضاء منظمات حقوق الإنسان، غير أنه مع هذا المقترح، تبعث إدارة بايدن رسالة واضحة إلى العالم مؤداها أن الولايات المتحدة «ملتزمة التزاماً كاملاً» بالأسلحة المستقلة. وإذا لم تغير الولايات المتحدة موقفها، فإن هذه اللحظة سيتذكرها العالم باعتبارها اللحظة التي أعطت الانطلاقة الفعلية لسباق تسلح عالمي على الأسلحة المستقلة. والواقع أن موقف إدارة بايدن ينم عن قصر نظر مدمِّر.
ففي الوقت الراهن، تمتلك الولايات المتحدة امتيازاً نسبياً على معظم العالم في هذه الأسلحة، ويمكن لمطوّري الأسلحة الكبار الاستفادة كثيراً من ذلك، غير أنه إذا كان سباق التسلح الأخير بخصوص الأسلحة النووية قد علّمنا شيئاً، فهو أن فترة السيطرة الحاسمة للجيش الأميركي ستكون مؤقتة، وأن الأسلحة ستصل في نهاية المطاف، ليس إلى أيدي الدول العدوة فحسب، ولكن ربما أيضاً إلى متناول تنظيمات إرهابية.
قد يقول بعض المشكّكين في القانون الدولي إن الحظر لا ينجح، وإن كل ما يفعله هو أنه يمنعنا من الحصول على أسلحة سيقوم أعداؤنا بتطويرها على كل حال. ولكن المشككين مخطئون جداً. ذلك أن معاهدة حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة تمثّل اتفاقية قوية نجحت باستمرار في حماية العالم من أسلحة مرعبة. ففي أوائل التسعينيات، مثلاً، شرعت الولايات المتحدة في تجارب ميدانية على الليزر المسبب للعمى، وهو سلاح خطير مصمم لتعطيل دفاعات العدو، وبالتالي، زيادة معدلات الإماتة، وإحباط معنويات جنود العدو، وتركهم مع أعداد كبيرة من الجنود الذين فقدوا حاسة البصر للاعتناء بهم.
ولكن بعد ازدياد قصير في القلق العالمي، أُسس بروتوكول يحظر الأسلحة التي تسبب العمى وألحق بالمعاهدة. ومنذ ذلك اليوم في 1995، بات تهديد الأسلحة التي تسبب العمى من الماضي. وخلاصة القول إن حظراً دولياً فعّالاً على الأسلحة المستقلة هو في متناول أيدينا. وهناك فرصة لاتباع دروس التاريخ النووية وتقييد البحوث في هذه التكنولوجيا قبل أن تتجاوز نقطة اللاعودة.
ولكن الوقت يمر بسرعة. والتكنولوجيا تتطور بسرعة، والمعاهدة تخضع لمراجعة مرة كل خمس سنوات. وإذا استمرت إدارة بايدن في التلكؤ، قد تجد البشرية أنها أضاعت آخر أفضل فرصة أتيحت لها لدرء مستقبل جد بائس وكابوسي لدرجة أن هوليوود كانت الوحيدة التي استطاعت تخيله حتى الآن.
*أستاذ ومدير حقوق الإنسان في كلية مكاليستر الأميركية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»