ذكرى مارتن لوثر كينج
الأسبوع الماضي، احتفلنا بيوم مارتن لوثر كينج، وهو يوم عطلة وطنية لذكرى حياة وتركة بطل المساواة والعدالة.
واستغرقت الجهود المبذولة للحصول على اعتراف وطني بيوم كينج 14عاماً، من عام 1970 حين عُرض الاقتراح لأول مرة إلى عام 1983 حين أقر الكونجرس الاقتراح وأصبح قانوناً. وكان الأمر مثيراً للجدل لأن كينغ نفسه كان مثيراً للجدل. فقد كان كينج شخصية تاريخية ثورية حقيقية، حارب التمييز العنصري والنزعة العسكرية والظلم الاقتصادي.
وبدلاً من تذكر كينج على حقيقته، أُفرغ يوم العطلة وذكرى كينج من معناه الحقيقي. فقد تحول كينج إلى شخصية مبهمة المعالم تثير شعوراً سطحياً بالسعادة وتم تجاهل النضال الذي أفنى حياته فيه. وحتى خلال حياته، لم يستطع كثيرون ممن دعموا نضاله لإنهاء الفصل العنصري في الجنوب والحصول على حق التصويت لأصحاب الأصول الأفريقية استيعاب الرؤية الأوسع التي طرحها. فقد نقل تركيز حركته الاحتجاجية إلى الفصل العنصري في الشمال وعارض الحرب في فيتنام، وتبنى قضية العدالة الاقتصادية للفقراء الذين حُرموا من الفرص في أغنى دولة على وجه الأرض.
حين فعل هذا، أنبه البعض قائلين «لتلزم طريقك. لماذا تتورط في قضايا تخرج عن نطاق رسالتك المحورية؟» وحين اغتيل كينج عام 1968، كان قد أصبح شخصية مثيرة للجدل بالنسبة لعدد كبير من الأميركيين. وكان هذا متوقعاً، تحديدا لأن التحديات الأخلاقية التي قدمها كانت مزعجة للغاية لأولئك المؤتلفين والمستفيدين مع واقع الحال. ومرور الزمن يُنسي. ويجري اختزال الماضي وإضفاء طابع عاطفي عليه.
وأملنا في أن يصبح الاحتفال بيوم كينج يتجاوز تذكر الرجل فحسب، بل أيضاً تذكر الحقائق التي واجهها الرجل والمظالم التي ناهضها. الجدير بالملاحظة أن 70% تقريباً من سكان الولايات المتحدة الحاليين، إما إنهم لم يكونوا على قيد الحياة أو لم يكونوا يعيشون هنا خلال حياة كينج.
ولا يتذكرون طاولات الطعام ونوافير المياه والحمامات المنفصلة ولا يتذكرون الكلاب وخراطيم إطفاء الحرائق التي كانت تُطلق على أطفال لمجرد أنهم كانوا يحتجون طلباً للمساواة.
ولا يتذكرون الخطاب العنصري المثير للاشمئزاز الذي استخدمه أعضاء من مجلس الشيوخ ومحافظون وغيرهم ممن سعوا للحفاظ على نظام العزل القديم الذي سعى كينج ورفاقه إلى هدمه. كما لا يتذكرون أهوال إزهاق الأرواح في حرب فيتنام التي كان لا يمكن الفوز بها وصدمة الأمة التي مزقها الصراع. ولا يتذكرون أزمة الفقر المدقع الذي ابتليت به المدن الداخلية والمناطق الريفية.
وكانت هذه المشكلات هي ما سعى الرئيس جونسون آنذاك لمعالجتها من خلال برامج «المجتمع الجديد»، وهي المشكلات التي أعاقتها كلفة الحرب. يتعين علينا تذكر كل هذا لفهم كينج في سياق عصره.
حين كافحنا من أجل الاحتفال بعيد ميلاده، كنا نأمل أن نتذكر، في يوم كينج، هذا التاريخ والتضحيات التي بذلها كينج وآخرون كثيرون في مسعى إحداث التغيير المطلوب، ثم نعيد إلزام أنفسنا باستخدام الأدوات التي استخدمها، عند الضرورة، للتصدي للظلم والفقر والحرب. واستناداً على هذه الخلفية، من المحزن أنه بعد أربعة عقود، مازالت المخاوف التي كان يكابدها كينج حاضرة، والتحديات التي مثلها تم تخفيفها أو محوها من الذاكرة التاريخية. ومازالت أميركا ممزقة بسبب عدم المساواة العرقية العميقة والمستمرة.
والتفاوت الشديد في الدخل مازال قائماً. ومازالت قائمة أيضاً، التحديات التي تواجه حقوق التصويت، والميزانيات الحكومية غير الرشيدة التي تعطي الأولوية للنزعة العسكرية وتشن حروباً لا يمكن الفوز بها على حساب شبكة الرعاية الاجتماعية للمواطنين. وفي مواجهة هذه المشكلات، كان مؤلماً بالنسبة لنا أن نحتفل بيوم مارتن لوثر كينج، دون أن تكون رسالة الرجل ذات أولوية عليا في عقولنا. حاجتنا إليه اليوم لا تقل عن حاجتنا إليه خلال حياته.
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن