من الأمور المثيرة للسخرية حقاً في التاريخ الأميركي أن كلاً من مناوئي التسلسل الهرمي والمدافعين عنه يعبّرون عن آرائهم، وكفاحاتهم، بعلاقة مع الحرية. فالأشخاص الذين أصبحوا مستوطنين لاحقاً وكانوا يتوقون لامتلاك أراضي السكان الأصليين كانوا يتحدثون عن «حقوق ثابتة» للاستيلاء على أراضي السكان الأصليين. ومن جانبهم أعلن الانفصاليون في جنوب الولايات المتحدة أن حقوقهم الثابتة هي المعركة من أجل «تأمين نعمتي السلام والحرية». وفي القرن العشرين، كان التبريريون الذين يحاولون إيجاد الأعذار لتبرير الميز العنصري يصوّرون الأعمال الفدرالية ضده على أنها هجوم على حرية الأميركيين في فعل ما يطيب لهم.
والواقع أنه من السهل والمغري التنديد بهؤلاء الأشخاص باعتبارهم مخادعين ومنافقين، والتقليل من شأن نداءاتهم من أجل الحرية باعتبارها الخطاب الأجوف للنخب التي لا تهمها سوى مصلحتها الذاتية. وهناك من دون شك أسباب وجيهة لتبنّي هذا الرأي. غير أنه في كتاب صدر مؤخراً، يطلب منا تايلر ستوفال –وهو مؤرخ فرنسي حائز جوائز عالمية توفي الأسبوع الماضي عن سن السابعة والستين– تأمُّل فكرة أن التسلسل الهرمي هو بالنسبة للمدافعين عنه مسألة حرية، والتفكير في ما يعنيه ذلك بالنسبة للمفهومين نفسيهما. ويعني هذا أنه علينا أن نفكر في الحرية بطريقتين اثنتين على الأقل: حرية الهيمنة وحرية من الهيمنة. وفي كتاب «الحرية البيضاء: التاريخ العرقي لفكرة»، يوضح ستوفال كيف أن كليهما مرتبطان بتاريخ العرق والتفكير العرقي؛ ففي مجتمعات مثل مجتمع الولايات المتحدة وفرنسا الجمهورية، يكتب ستوفال، «كان الإيمان بالحرية، وخاصة أحقية المرء في الحرية، عنصراً أساسياً من الهيمنة البيضاء». فكلما كان المرء أبيض، «كان أكثر حرية»، كما يقول. هذه «الحرية البيضاء» لم تسمَّ كذلك لأنها تقتصر على الأشخاص المنحدرين من أصول أوروبية، وإنما لأنها اتخذت شكلها تحت ظروف تسلسل هرمي عرقي صريح وواضح، حيث كانت الكولونيالية والعبودية تحددان مَن كان حراً ومَن لم يكن كذلك. وبالنسبة للأشخاص الذين كانوا مهيمنين، أثّر هذا الأمر على رأيهم بخصوص ماهية الحرية. أو كما أشار المؤرخ إدموند مورجان على نحو شهير قبل قرابة 50 عاماً في كتاب «العبودية الأميركية، الحرية الأميركية.. محنة فرجينيا الكولونيالية»، فإن «وجود رجال ونساء كانوا، في القانون على الأقل، خاضعين بشكل كامل تقريباً لإرادة رجال آخرين، يمنح أولئك المهيمِنين تجربةً مباشرة لما قد يعنيه أن تكون تحت رحمة طاغية». إن ما يجعل عمل ستوفال قَيِّماً للغاية في هذه اللحظة، وما يجعل وفاتَه خسارةً كبيرةً، هو أن دراسته لـ«الحرية البيضاء» تساعد في إلقاء الضوء على رهانات الحاضر والكفاح المتواصل حول معنى الديمقراطية الأميركية. فبالنسبة للبعض، أن تكون متحرراً (أو على الأقل، أكثر تحرراً) من الهيمنة والتسلسل الهرمي، يمثّل معركةً، ولكن بالنسبة لآخرين المعركةُ هي أن تكون حراً لتُهمين على أساس تلك التسلسلات الهرمية.
في أبريل 1864، وبينما انتقل مجلس الشيوخ للمصادقة على التعديل الثالث عشر للدستور، والذي يلغي العبوديةَ، تحدّث الرئيس أبراهام لينكولن إلى جمع في بالتيمور حول مسألة الحرية والديمقراطية. فقال: «إننا جميعاً نعلن انخراطنا في الحرية، لكننا لا نعني جميعاً الشيءَ نفسَه باستخدام الكلمة نفسها». ثم أضاف قائلا: فمع البعض، «قد تعني كلمة حرية أن يفعل كل رجل ما يحلو له بنفسه، ونتاج عمله، بينما قد تعني الكلمة نفسها مع البعض الآخر أن يفعل بعض الرجال ما يحلو لهم برجال آخرين، ونتاج عمل رجال آخرين».
إن ظروفَ اليوم مختلفة جداً عن ظروف الحرب الأهلية الأميركية بالطبع، غير أنه إذا كانت كلمات لينكولن ما زال لها صدى إلى اليوم، فلأن الشكل البسيط للكفاح ما زال هو نفسه تقريباً. وفي ما يلي لينكولن متحدثا مرة أخرى، في الخطاب نفسه، مع حكاية مليئة بالعبر وتلامس صميم المسألة. يقول لينكولن: «يخلِّص الراعي الخروف من الذئب، فيشكر الخروفُ الراعي على ذلك باعتباره محرِّراً، بينما يندِّد به الذئبُ بسبب العمل نفسه باعتباره مدمِّراً للحرية»، مضيفاً: «واضح أن الخروف والذئب غير متفقين حول تعريف كلمة حرية، لكن الاختلاف نفسه موجود اليوم بيننا نحن البشر، فنحن جميعا ندّعي حب الحرية».
وباختصار، إننا جميعاً نريد الحرية، لكن السؤال هو: ماذا يريد كل واحد منا أن يفعل بالحرية من أجلنا أو لآخرين؟
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/12/17/opinion/freedom-liberty-racial-hierarchies.html