كلمة «الديمقراطية» في اللغة الإنجليزية مشتقة من كلمة «demos» اليونانية التي تعني «الشعب». وفقاً لمعنى الكلمة، الديمقراطية ليست زخرفة للزينة، بل هي أداة لمعالجة المشاكل. فإن الديمقراطية سعي مشترك للبشرية جمعاء، الصين والإمارات كلتاهما من الممارسين النشطاء للديمقراطية. منذ تولي منصب السفير الصيني لدى الإمارات دعيتُ مراراً إلى حضور فعليات المجالس، شاهدت عن كثب التبادل المتساوي بين القادة الإماراتيين وعامة الناس تحت سقف واحد وتأثرتُ بشدة بهذا النهج المتمثل في الاستماع إلى هموم المواطنين وتحري واقع معيشتهم وتلبية متطلباتهم. لا شك أن المجلس هو تقليد ديمقراطي عربي فريد، ويتحلى بحيوية في الوقت الراهن، ويعكس بجلاء ممارسة الديمقراطية.
قبل خمسين عاماً، تحت قيادة الأب المؤسس لاتحاد الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تبنت الإمارات السبع مبدأ التشاور الديمقراطي لتأسيس دولة اتحادية جديدة. في غضون 50 عامًا، تمتعت الإمارات السبع بالتسامح والحوكمة المشتركة، وتعاملت بعضها البعض على قدم المساواة، وتعايشت في وئام وانسجام. فتح المجلس الوطني الاتحادي أبوابه للناس من جميع مناحي الحياة في الدولة، وقبل الرأي العام على نطاق واسع، ورفعت نسبة تمثيل المرأة في المجلس إلى 50%. دمجت المحكمة الاتحادية العليا النظام الاجتماعي والاقتصادي الحديث مع الشريعة الإسلامية التقليدية، مما يضمن التسامح والتناغم بين المجموعات العرقية المتنوعة من ناحية قانونية. تم إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان مؤخرًا، وذلك يبرز تصميم الإمارات على مواصلة حماية حقوق الإنسان. صنفت الإمارات كواحدة من أسعد الدول في العالم لسنوات متتالية مما يجسد اعترافاً وتقديراً من المجتمع الدولي لممارساتها الديمقراطية.
يقول الصينيون القدامى«لا يحتاج الناس إلى ارتداء نفس الحذاء، بل يجدوا ما يناسب أقدامهم، مثل لا يتعين على الحكومات أن تتبنى نفس نموذج الحوكمة، بل يجب أن تجد ما يفيد شعوبها».
تظهر الممارسات في كل زمان وفي كل مكان أن تحقيق الديمقراطية لا يقتصر على الانتخاب واشتراك نواب الشعب في الشؤون السياسية وفقاً للقانون فقط، فاشتراك الشعب في إدارة الشؤون الوطنية والشؤون الاجتماعية من خلال الأنظمة والطرق خارج الانتخاب هو أهم. يتمتع المواطنون بحق التصويت دون حق الاشتراك في إدارة الدولة في نطاق واسع، يتيقظون في وقت الانتخاب ثم يعودون إلى سباتهم بعد التصويت، فهذا النوع من الديمقراطية ليس هو الديمقراطية الحقيقية. السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والحرية هي قيم مشتركة للبشرية جمعاء، الديمقراطية حق للشعب في كل بلد، وليست امتيازاً لبعض الدول. لا يوجد نموذج ثابت للديمقراطية، لأنها تتجلى بنفسها من خلال العديد من الأشكال. أما الحكم على ما إذا كان طريق التنمية للدولة ناجحاً أم لا، فهو يعتمد على ما إذا كان يتوافق مع ظروفها الوطنية، وما إذا كان يتوافق مع تيار تطور العصر، وما إذا كان يعود على الدولة بالتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي والاستقرار الاجتماعي، وما إذا كان يخدم تحسين مستوى معيشة الشعب بشكل مستمر ويكسب دعم الشعب، وما إذا كان يساهم في قضية التقدم البشري.
إن الصين والإمارات كلتاهما في طليعة دول العالم في هذا الصدد. خلال 50 عاماً من العمل الجاد، تحولت الإمارات من قرى الصيد في الصحراء إلى أهم مركز تجاري ومالي وجوي بمنطقة الشرق الأوسط، ومركز عالمي للريادة في مجال التكنولوجيا الفائقة.
دخلت الإمارات المراكز الثلاثين الأولى عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، بحيث أصبحت أغنى دولة توفر أفضل مستوى لمعيشة الشعب، وقوة نشيطة لدفع السلام والازدهار في الشرق الأوسط. تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وساهمت بأكثر من 30% في النمو الاقتصادي العالمي لسنوات عديدة متتالية، وحققت هدف القضاء على الفقر الجماعي الإقليمي والفقر المدقع. خلقت الصين خلال عقود قليلة فقط معجزة إكمال مسيرة التصنيع التي أمضت البلدان المتقدمة عدة قرون لإنجازها، ومكنت معيشة شعبها من الوصول إلى مستوى رغيد الحياة، وأصبحت قوة هامة لحفاظ على السلام والاستقرار في العالم.
كما يصدق القول: كل شخص يعتز بقيمه الخاصة، وإذا احترمنا قيم الآخرين واعتززنا بها فسيكون العالم متناغمًا. ينبغي للديمقراطية ألا تطبق على حوكمة الدولة فحسب، بل على العلاقات الدولية أيضاً.
تؤيد كل من الصين والإمارات إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، وتدعو إلى التزام جميع الدول بمبادئ التشاور والتعاون والمنفعة للجميع، وممارسة التعددية الحقيقية، مما يشكل الحوكمة العالمية الأكثر شمولا. كما تنشد الصين والإمارات التعاون على أساس الاحترام والمنفعة المتبادلة من أجل تحقيق الازدهار والتنمية بشكل مشترك. تشغل الإمارات مقعدها في مجلس الأمن الشهر الجاري، وهذا يفيد تعزيز التنسيق والتعاون بين الصين والإمارات في الشؤون الدولية.
لدى الصين والإمارات رؤى تنموية متقاربة وأهداف متطابقة وروابط تعاون متنامية، تلمّس كلتاهما طرق التنمية الديمقراطية التي تتماشى مع الظروف المحلية. في العام الجديد، يستعد الجانب الصيني لمواصلة العمل مع الجانب الإماراتي سوياً في إعلاء القيم المشتركة للبشرية، ودفع إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، مما يقدم مساهمات أكبر بشكل مشترك في تقدم الحضارة الإنسانية.
السفير الصيني لدى دولة الإمارات العربية المتحدة