ما الذي حدث في كازخستان؟
ذلك سؤال قد يراود أي شخص يقرأ أخبار كازخستان أو يشاهد على الشاشات صعود هذه الأزمة الجديدة على السطح، إذ قد لا يعرف البعض تاريخ هذه المنطقة وأسباب التوتر بين قوى العالم الكبرى، فروسيا يبدو أنها تسعى جهدها للحفاظ على الوضع الراهن في هذا البلد، فيما الولايات المتحدة وحلفاؤها شجبوا إرسال قوات روسية تحت غطاء قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، ورحبوا بخروج هذه القوات التي قال الرئيس الكازخي إنها «أتمت مهامها».
لكن قبل أن نخوض في هذه الأزمة وأسبابها وعلاقتها بتصاعد الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة، والذي تجاوز أوكرانيا وقضايا التجسس والقرصنة والوجود الروسي في دول عدة في العالم.. قبل كل ذلك لا بد أن نعرف أهمية كازخستان التي تعد من أكبر الدول الواقعة بين أوروبا وآسيا وتتميز بقوة اقتصادية، فهي غنية بالثروات المعدنية والنفط والغاز ولديها حدود مع الصين وروسيا، ومع هذه الأخيرة ارتبطت بتاريخ طويل، فهي آخر دولة تنفصل عن الاتحاد السوفييتي لتعلن استقلالها أثناء انهيار المنظومة السوفييتية، وسطوع نجم روسيا الاتحادية. لكن هذا التاريخ المشترك لم ينقطع بل استمر بصيغة أخرى وعلاقات سياسية واقتصادية متين.
فروسيا تحتاج اليورانيوم المستخرج من المناجم الكازخية، واليد العاملة وغيرها من الموارد، فيما تعتمد كازخستان عل التقنيات الروسية والشركات الروسية المشتركة، خاصة في مجال النفط ونقله وتسويقه، أي أن العلاقات بين البلدين متينة، وترى روسيا أنه من غير المسموح بأي تهديد لكازخستان ونظام حكمها. الخبر من كازخستان كان قيام احتجاجات على رفع أسعار الغاز، ورغم إعلان حالة الطوارئ، فقد تطورت الاحتجاجات إلى تظاهرات وأعمال شغب عنيفة، أعقبها إعلان الرئيس الكازخستاني قاسم جومرت توكاييف إقالة الحكومة، لكن ذلك لم يكن كافياً، حيث ازدادت التظاهرات حدةً، فمُنع التجول وقطعت وسائل التواصل والإنترنت. كل ذلك دفع كازخستان للاستعانة بروسيا في إخماد التظاهرات، فموسكو لن تسمح بتصاعد الوضع وإفساح المجال لأي تدخل من جانب الغرب، إذ تتهمه بتشجيع التظاهرات، والتي شبهها البعض بما حدث في بعض الدول العربية مع اختلاف الأسباب، لكن أي اضطراب في كازخستان يضع أمن روسيا على المحك. ومن المعروف أن التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا على أشده في محيط المنطقة الروسية، حيث تقع الصين وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وأفغانستان وإيران حتى أوكرانيا.
والحرب قد تنشب في ذلك المحيط لكنها تبقى حرباً على أراضي الآخرين بهدف النفوذ وتحقيق المكاسب والمصالح، وهنا نتذكر الأزمة الأوكرانية الحاضرة دائماً، والتي قد امتصتها خبرياً على أقل تقدير أزمة كازخستان، لكنها سرعان ما ستعود للواجهة.
روسيا كانت على وشك الزحف إلى أوكرانيا بعد أن حشدت قواتها على الحدود في محاولة لحسم ملف هذا البلد ومنعه من الانحياز للغرب والدخول في حلف «الناتو»، وخشية روسيا قد تبدو مبررة في أن تصبح أوكرانيا خنجراً في ظهرها بدل أن تكون تابعة في أفضل الأحوال كما كانت لسنوات طويلة قبيل ثورة كييف عام 2014، والتي أنهت الحكم الموالي لروسيا وصعدت حكماً موالياً للغرب. الأزمة في منطقة جوار روسيا أو محيطها، من أوكرانيا حتى كازخستان وما بعدها، قد تستمر لبعض الوقت، والحرب الباردة قائمة وربما تشهد فترات تحسن وهدوء، لكن التوتر بين القوى الكبرى لن ينتهي، فالجميع يسعى للسيطرة، لكن ربما تكون الأفضلية لواشنطن التي تتحرك بعيداً عن أرضها وفي محيط روسيا، وما كان يسمى حدائقها الخلفية.