مع صعود التضخم إلى أكثر من 6% وتعرض قائمة أولويات الرئيس جو بايدن التشريعية للخطر، حان وقت طرح تصور بديل كان محتملاً. ويروقني التركيز على ما قد يكون الخطيئة الأصلية لإدارة بايدن والأغلبية الضيقة لـ«الديمقراطيين» في الكونجرس. فقد رفض الديمقراطيون في فبراير الماضي، مشروع قانون لـ«الجمهوريين» في مجلس الشيوخ بقيمة 600 مليار دولار للإغاثة من «كوفيد-19» وتقدموا بدلاً من هذا بـ«خطة الإنقاذ الأميركية» التي بلغت قيمتها 1.9 تريليون دولار وأقرها بايدن في مارس الماضي.

وفي ذلك الوقت، اندهشت من رفض البيت الأبيض خطةَ الجمهوريين وأدهشني أكثر أن الديمقراطيين المعتدلين في مجلس الشيوخ أقروا الرفض. ونظرتُ إلى الأمر حينها باعتباره علامةً على أن تكتل الديمقراطيين المعتدلين، بمن فيهم كريستن سينما وجو مانشن، يستعدون لوضع قائمة أولويات اقتصادية أكثر جرأةً. وبتأمل الماضي، نجد أن الحقيقة كانت أبسط، وهي أن بايدن جاء إلى المنصب محاطاً بقدر كبير من حسن النوايا لدى الديمقراطيين وحين أخبرهم أن خطة الإنقاذ الأميركية ضرورية، صدقوه. لكن الخطة أدت إلى نتائج عكسية بدلاً من أن تؤدي إلى تعزيز الزخم لانتصارات تشريعية أخرى. فقد دأب مانشن على الإشارة إلى مخاوف التضخم في قائمة أولويات مشروع قانون «إعادة البناء للأفضل». لكن المشكلة هي أن ديمقراطيين كثيرين يؤكدون الشيء نفسَه عن خطة الإنقاذ الأميركية.

واتضح الآن، خاصة عند مقارنة الولايات المتحدة بأوروبا، أن مشروع القانون ساهم بالفعل في التضخم. والبيت الأبيض ليس له، ولم يكن له قط، أي سلطان على مانشن. لكنه يمتلك حسن النوايا والمصداقية، إلا أن موقفه من خطة الإنقاذ الأميركية قلصت جزءاً من الأمرين. وبخلاف الحالة النفسية، تمثلت المشكلة الأكبر في أن الديمقراطيين حصلوا على القليل بشكل مدهش مقابل الخطة التي تصل كلفتها 1.9 تريليون دولار. وجزء كبير من الاختلاف بين المشروعين -الديمقراطي والجمهوري- يتمثل في نسخة الديمقراطيين الموسعة الخاصة برصيد ضرائب الأطفال.

وكسياسة طويلة الأمد، هذا الرصيد الضرائبي ممتاز، فهو يقلص فقر الأطفال تقريباً إلى النصف ويعالج التقصير الوطني القائم منذ فترة طويلة متمثلا في الحرمان المادي الواسع النطاق وسط الأطفال في واحدة من أغنى الدول في التاريخ الإنساني. لكن، كمحفز قصير الأمد أو إغاثة في الجائحة، هذا الرصيد ليس ضرورياً بشكل خاص ولم يكن جيد الاستهداف. وتضمينه في مشروع القانون، كان مراهنة على أنه سيثبت شعبيتَه وقدرتَه على الصمود حتى يجري توسيعه، لكن هذه المراهنة لم تربح. فإذا تم إقرار مشروع قانون «إعادة البناء للأفضل» أو تم إقرار أي صيغة منه، فمن شبه المؤكد ألا يتضمن توسيعاً لرصيد ضرائب الأطفال.

والاختلاف الكبير الآخر بين خطة الإنقاذ الأميركية والمقترح الجمهوري هو رغبة الديمقراطيين في تضمين مئات المليارات من الدولارات لدعم حكومات الولايات والإدارات المحلية. وظهر هذا الطلب للمرة الأولى حين كان الديمقراطيون يكتبون مشروع «قانون الأبطال» في ربيع 2020 وأصر الجمهوريون على رفضه، واصفين إياه بأنه «إنقاذ للولايات التي يغلب عليها الديمقراطيون». وكان الديمقراطيون يستجيبون لواقع أن العجز المالي لإدارات الولايات والمحليات كان يمثل عقبةً كبيرة للاقتصاد أثناء ولاية أوباما الأولى، وأرادوا تجنب تكرار النتيجة في مواجهة توقعات وخيمة لكوارث في ميزانيات الولايات والإدارات المحلية بسبب الجائحة. لكنهم لم يعدلوا موقفهم حين لم تتحقق هذه التنبؤات. فقد حافظت سياسة فاعلة للاقتصاد الكبير، وما صاحبها من ازدهار أسواق العقارات والأسهم، على قوة عائدات الولايات والإدارات المحلية.

والاختلاف المهم الأخير بين خطة الإنقاذ الأميركية وخطة الإغاثة الجمهورية هي أن الجمهوريين قدموا مبالغ دعم أصغر- 1000 دولار في مقابل 1400 دولار من الديمقراطيين- ووسائل أشد صرامة في التحقق من مصادر الدخل. وكان من الممكن تماما التوصل لمنطقة وسط، والفارق كان صغيراً نسبياً مقارنةً بالفجوة بين الأحزاب تجاه رصيد ضرائب الأطفال ودعم الولايات والإدارات المحلية. ولو استطاع بايدن الجمع بين مشروع قانون للحزبين للإغاثة من «كوفيد-19» ومشروع قانون للحزبين للبنية التحتية (وهو ما أقره في قانون) ومشروع قانون لتمويل العلم (وهو مطروح حالياً في مؤتمر لمجلسي الكونجرس)، لاستطاع أن يدعي أنه حقق وعده بأن يوحد البلاد. ولربما كان نمو الإنتاج المحلي الإجمالي الحقيقي أبطأ قليلاً، مع ضخ أموال أقل، ولأمكن أن يكون التضخم أقل أيضاً. صحيح أن النجاح بين الحزبين كان من الممكن أن يقلص الحماس لمشروع قانون إعادة البناء للأفضل من قبل حزب واحد، لكن كان من المرجح فيما يبدو أن يصبح مانشن أكثر ارتياحاً تجاه البيت الأبيض في ظل تضخم أقل ونسبة أقل من التوقعات الاقتصادية المبالغ فيها. ولو كان أول توقيع لبايدن على مشروع قانون قد ظهر على مشروع قانون للحزبين للإغاثة من «كوفيد-19»، لوضع هذا توقعات أكثر واقعية لإدارته. لقد فاز بايدن بالانتخابات بهامش كبير، لكن ليس مذهلا، والديمقراطيون يمثلون أغلبية بفارق ضئيل للغاية.

وبناءً على هذه الأرقام، ما كان لأحد أن يتوقع نتيجة تشريعية مثل التي حققها الرئيس ليندون جونسون. وكان الديمقراطيون مستعدين لتجاهل احتمال الانقسام الحزبي في مسعى للوصول إلى تشريع أوسع نطاقاً، مما يوحي بأنهم كانوا مستعدين للكفاح من أجل إنفاق اجتماعي أكبر رغم أغلبيتهم الضئيلة. والجمود الحالي أكثر كشفاً للواقع السياسي الأساسي، ومن شبه المؤكد أن بايدن وأعضاء حزبه كانوا من الممكن أن يكونوا أفضل حالاً اليوم، لو اعترفوا بهذه الحقيقة منذ البداية.

*صحفي وكاتب أميركي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»