توجد في أفغانستان أوبئة أكثر من مستشفيات «كوفيد-19» تشتغل بشكل كامل. وعلى غرار أي مكان آخر في العالم، يخوض الأفغان معركة مع «كوفيد-19»، غير أنهم مضطرون أيضاً للتعاطي مع أوبئة الحصبة وشلل الأطفال وحمى الضنك والملاريا والكوليرا، بينما يترنح نظامهم الصحي على شفا الانهيار.
وبعد قضاء خمسة أسابيع في أفغانستان حيث عملتُ مستشاراً لمنظمة الصحة العالمية ضمن فريق لخبراء طبيين، أستطيع أن أؤكد بوضوح بأنه إذا لم تُغيّر الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى سياسات العقوبات التي تتبناها اتجاه أفغانستان، فإن أفغاناً سيموتون جراء العقوبات أكثر ممن سيموتون على أيدي «طالبان».
على مدى عشرين عاماً، دعمت الولايات المتحدة عن علم وطيب خاطر حكومات أفغانية فاسدة متتالية. ولستُ الوحيد الذي يقول ذلك: إذ يمكنك قراءة تقارير المفتش العام الخاص بإعادة الإعمار في أفغانستان للوقوف على حجم الفساد المستشري في البلاد والذي يطال كل القطاعات.
قبل «طالبان» كان القطاع الصحي يعتمد على المساعدات الخارجية التي كانت تدعم 80% من كل نفقات الحكومة الأفغانية. وكانت الخدمات الصحية الجوهرية، مثل مرافق الرعاية الصحية الأولية ومستشفيات المناطق، تعتمد لسنوات عديدة على المنظمات غير الحكومية الممولة من قبل البنك الدولي وحكومات عدةٍ على رأسها الحكومة الأميركية، تحت برنامج يسمى «صحتماندي». هذا البرنامج الصحي المهم للغاية كان يعاني من عدة مشاكل في عهد الحكومات السابقة في أفغانستان، مثل نقص التمويل وتفشي الفساد الذي كان يحدّ من فعاليته.
وعندما استولت «طالبان» على كابول في 15 أغسطس الماضي، عمدت حكومات غربية إلى تجميد كل ودائع الحكومة الأفغانية في الخارج، وأوقفت كل المدفوعات المعلَّقة والمستقبلية لكل البرامج الحكومية، بما في ذلك المرافق الصحية والمدارس. ونتيجة لذلك، باتت البلاد في حالة انهيار اقتصادي مباشر وكامل. وتوقف النظام الصحي بشكل مفاجئ.
وبعض الخدمات الصحية الأساسية بدأت لحسن الحظ تشتغل من جديد تحت إدارة منظمة الصحة العالمية وصندوق اليونيسيف، وذلك بعد أشهر عديدة لم يتلق فيها عمال الرعاية الصحية رواتبَهم ولم تتلق فيها المنشآت الصحية الأدوية الأساسية. وإذا كان «صحتماندي» هو العمود الفقري لنظام الرعاية الصحية الأولية في أفغانستان، فإنه يُعد جزءاً من نظام أوسع بكثير يشمل مستشفيات محلية وإقليمية تديرها الحكومة، بما في ذلك مستشفيات «كوفيد-19»، وكذلك مستشفيات في كابول.
حالياً لا يوجد مستشفى واحد في البلاد يستطيع تلقي أي تمويلات من الحكومة الأميركية أو من مانحين آخرين، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال وكالات الأمم المتحدة أو منظمات غير حكومية. كما لا تستطيع تلقيها وزارةُ الصحة العامة الأفغانية التي يُعد وجودها ضرورياً لاشتغال النظام الصحي في البلاد. التجميد الذي أتى بسرعة بعد انهيار الحكومة السابقة، أدى إلى شلل أصاب كل شيء تقريباً. وأكثر من ثلث الاقتصاد الأفغاني كان يأتي من مساعدات التنمية مباشرة.
نظام المراقبة الصحية يشتغل بشكل سيئ حالياً، والعمال الذين من المفترض أن يحققوا في حالات تفشي الأوبئة ويأخذوا عيّنات إلى المختبرات، لم يتلقوا رواتبهم منذ أبريل الماضي. وعلى نحو مثير للإعجاب، كان عمال المراقبة الذين التقيتُهم ما زالوا يأتون إلى أماكن عملهم، على أمل أن يتسلموا أجورهم في نهاية المطاف، بل إن بعضهم كان يدفع ثمن الوقود لنقل العينات إلى المختبرات من ماله الخاص.
إن على الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى احتلت أفغانستان ودعمت حكومات متعاقبة فيها تقع مسؤوليةُ دعم الشعب الأفغاني. ولهذا، ينبغي تعديل العقوبات الحالية لضمان أن تكون كل الخدمات الصحية متاحةً لكل الأفغان. ولا شك في أن توفير أموالٍ لمستشفيات تديرها الحكومة من أجل إنقاذ الأرواح لا يعني دعم «طالبان».
وفي الآونة الأخيرة، قُدمت تمويلات في إطار «صحتماندي» لوكالات الأمم المتحدة التي منحت تلك التمويلات لاحقاً لمنظمات غير حكومية من أجل إدارة الخدمات الصحية نيابةً عن الحكومة الأفغانية. غير أن تمويل المستشفيات التي تديرها الحكومة ووزارة الصحة العامة خارج إطار «صحتماندي» توقف بموجب العقوبات. والحال أن وقف هذا التمويل أمر خطير وقاس، والأشخاص المتضررون هم الأشخاص الأشد حاجة للمساعدة. وفي الأثناء، تعاني وزارة الصحة من نزف في المهنيين الذين لم يتلقَّوا رواتبهم منذ أكثر من ستة أشهر، وفي هذه المرحلة ربما تستغرق إعادة بناء وكالة قوية جيلاً بأكمله.
وعليه، ينبغي على المجتمع الدولي أن يواصل ممارسة الضغط على «طالبان» حتى تكون لديها حكومة مستوعبة وشاملة لجميع مكونات المجتمع الأفغاني وتحترم الحقوق الإنسانية للنساء والأقليات. غير أنه ما زال من الممكن تحقيق هذا الأمر مع ضمان رفع فوري للعقوبات الحالية والقيود العديدة المفروضة على التمويل الإنساني من أجل إنقاذ أرواح الأفغان أنفسهم الذين نحاول حماية حقوقهم.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»