استطاع بعض القراصنة الأذكياء، في الأيام القليلة الماضية، اختراق دفاعات واحدة من أكثر مواقع التواصل الاجتماعي انتشاراً والدخول إلى حساب زعيم واحدة من أكثر دول العالم سكاناً، وانتهزوا الفرصة لبث ما يريدون إلى 73 مليون متابع. واستخدم القراصنة المنبر للحديث عن العملة الافتراضية. والأمر مثير للضحك تقريباً أن هجوماً آخر على تويتر- هذا المرة على حساب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي- يصبح أداة للحديث عن بيتكوين. فقد جاء في التغريدة التي أرسلها القراصنة «الهند تبنت بتكوين رسمياً كعملة قانونية. الحكومة اشترت رسمياً 500 بتكوين وتوزعها على كل سكان البلاد».
وبقدر ما يبدو من عدم معقولية هذه الرسالة، تكشف الحادثة برمتها - من التلاعب إلى النتيجة- الكثير عن ثقافة القرصنة وطائفة المتورطين فيها الذين يحاولون اختراق أنظمة الكمبيوتر. والواضح على الفور بشأن هذا الحدث هو أن الجناة كانوا أشقياء أكثر من كونهم خبثاءً. فقد أصبح الحديث عن بتكوين لعبة مرحة لجماعة القراصنة أكثر من كونه هجوماً شريراً. وهذه ليست المرة الأولى. ففي يوليو عام 2020، تم اختراق أكثر من 100 حساب لمشاهير من بينهم باراك أوباما وجو بايدن وبيل جيتس وإيلون ماسك وكاني ويست وآبل. وبمجرد الدخول إلى هذه الحسابات مضى القراصنة في الترويج لخديعة بشأن بتكوين إلى الملايين من متابعي الحسابات المخترقة.
وتفاصيل هذه الحادثة تنضح بسخرية ممتعة. فأولاً، كان استخدام القراصنة لبيتكوين، في واقع الحال، هو ما أوقع بهم. فقد تعقب ضباط إنفاذ القانون الأميركيين حسابات العملة الافتراضية ووجدوا أنهم استخدموا رخص قياداتهم في تأكيد الحساب. وثانياً، الاختراق تم عبر الهندسة الاجتماعية عتيقة الطراز، بتعقب فريق العاملين في تويتر للحصول على بيانات الدخول مما سمح لهم بدخول الحسابات المستهدفة. وأخيراً، كان اثنان منهم في العقد الثاني من العمر، أحدهم كان أقل من سن الرشد القانونية. وصغار السن الذين ينفذون عمليات قرصنة كبيرة من الأمور المشهورة. فقد كان كيفين ميتنيك- أشهر هؤلاء المراهقين- يبلغ 16 عاماً فحسب حين اخترق أنظمة شركة «ديجيتال إيكيبمنت» عام 1979 وسرق برامج.
وجوناثان جيمس- أول حدث، في ما يقال، يحكم عليه بالحبس عن جريمة رقمية- كان يبلغ من العمر 15 عاماً فحسب حين أضاف وزارة الدفاع إلى قائمة ضحاياه. ومنذ صعود ميتنيك وجيمس للشهرة قبل عقود، تحولت أهداف اختراق الشبكة من الاحتيال على شركة خدمات هاتفية إلى إغلاق خطوط أنابيت وتدمير أجهزة طرد مركزي تستخدم في إنتاج الأسلحة. والهجمات التي وقعت دون رصد أو دون النشر عنها، ربما تكون على الأرجح أكثر من تلك التي سمعنا عنها. ورغم أن هذه الهجمات ربما تكون لعبة معادة لكنها تنطوي على جانب جاد. فيجب أن ينتابنا قلق شديد نتيجة اختراق واحد من أقوى المنافذ في العالم للمرة الثانية. فهذا الاختراق يسمح بإمكانية دخول غير مصرح بها لمقابل إعلامي للحصول على شفرة إطلاق الأسلحة النووية. وعلى سبيل المثال، جعل إيلون ماسك، رئيس شركة تسلا، أسواق العملة الافتراضية والأسهم تتأرجح بمليارات الدولارات، من خلال نشره عدد قليل من الكلمات على تويتر.
ولا يسع المرء إلا أن يتخيل ما عساه كان من الممكن أن يحدث لو أن حساب الزعيم المنتخب ديمقراطيا على تويتر، قرر إعلان إبطال بعض فئات العملات للمرة الثانية، أو إعلان تصعيد صراعاته مع الصين أو باكستان. ويجب أن نشعر بالامتنان أن القراصنة اختاروا بتكوين كموضوع لتغريداتهم وليس الدمار الاقتصادي أو العسكري. وفي المرة القادمة قد لا يحظى العالم بحظ سعيد مثل هذا. فقد أثبتت هجمات قليلة على تويتر لباقي جماعة القراصنة أن هذا هدف به نقاط ضعف. وربما يفكر آخرون- ربما بدعم من دول أو لهم علاقة بالإرهابيين- في وسائل أفضل لإساءة استخدام الضعف بدلاً من الترويج لخديعة افتراضية. وتويتر نفسها مازالت عاجزة عن القيام بالمهمة الأساسية، وهي حماية نظامها بالتوازي مع سهولة الاستخدام والأمن. وربما نضحك من الطبيعة الطائشة للقراصنة، فاختراق حسابات وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون مليئة بالمرح واللعب، لكن هذا المرح قد يتبدد حين يقع ضرر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيوج نيوز سيرفس»