يظهر على السطح أن الدول الداعية للأمن والسلام والاستقرار تقوم سياستها الخارجية على تغليب قيم الحوار والتعايش المشترك، ونبذ كل صور التعصب والكراهية والعنف. عندها تصبح الدولة نموذجاً للتسامح، ويصدح صوتها العاقل في العالم. هذا التوجه مؤسَّس على هدف منشود قوامه أن البشرية مصيرُها واحد، وأن التعاون لا الصراع هو الحكَم بين الدول المختلفة.
في الشرق الأوسط اليوم، تتوالى مبادرات لعدد من الدول، على كافة الصعُد، ونجاحها يعني تسييد قيم التعاون المشترك الرافضة للصراع بكل صوره وأشكاله. ونرى جهوداً تبذلها الدول بعضها مع بعض لفتح قنوات حوار بدلا من العداء المستحكم. وبين هذه الدول، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة وهي تفتح صفحة جديدة في العلاقات مع إيران تأكيداً لسياسة مفادها «المواجهة ليست السبيل الأمثل للمضي قدماً»، أولاً، وعلى قاعدة أن الحوار والتعاون الاقتصاديين يشكلان جزءاً من إجراءات بناء الثقة مع إيران، ثانياً. وقد سبق ذلك التحرك سعي الإمارات وتركيا إلى تعزيز العلاقات الثنائية بينهما ودفعها نحو آفاق أرحب، لتقوية الصلات الثنائية وتطويرها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين، بالإضافة إلى عدد من القضايا والملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وقبل هذا وذاك، استقبل الرئيس السوري بشار الأسد، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، في أول زيارة يؤديها مسؤول إماراتي رفيع إلى دمشق منذ بدء الأزمة السورية قبل أكثر من 10 سنوات، وقد اعتبر أن ما حصل في سوريا أثَّر على كل الدول العربية، معرباً عن ثقته في أن سوريا وبقيادة الرئيس الأسد، وجهود شعبها، قادرة على تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب.
كما تشير التطورات الأخيرة إلى بدء ذوبان جليد العلاقات بين السعودية وإيران في خطوة، صحيح أنها لن تصل إلى مستوى بناء تحالف وثيق بين البلدين، لكنها قد تقود إلى تهدئة تفرضها المتغيرات في المنطقة. وقد شهد هذا العامُ لقاءاتٍ جمعت بين مسؤولين من السعودية وإيران أكثر من أي وقت مضى طيلة السنوات الخمس الماضية. فخلال العام، استضافت بغداد أربعة اجتماعات بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين، فيما عُقد لقاء خامس على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مما يشير إلى إرخاء التوتر في العلاقات المتوترة بين البلدين. وسبق كل ذلك، تجاوز واسع للعديد من نقاط الاختلاف داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي.
كذلك، نشهد تغييرات في السياسة الخارجية لتركيا تستهدف العودة إلى استراتيجية «صفر أعداء» مع العرب، بعد أن كانت قد غادرت موقفها المحايد وتدخلت لسنوات في شؤون العديد من الدول في المنطقة. فها هي تركيا، تطلق سيلاً من التصريحات حول رغبتها في فتح صفحة جديدة مع العرب وطي الخلافات وإنهاء التوترات.
تصريحات متكاثرة في ظل أجواء إيجابية في المنطقة، لعلها تستمر وتكون بدايةً لمشروع يطرح على شعوب المنطقة من أجل كسب تأييدها ودعمها، ومن ثم توظيف مختلف الطاقات نحو تنفيذه وتجاوز معاناة هذه الشعوب من الحروب العربية العربية الساخنة والباردة على حد سواء.
كاتب وباحث سياسي