في يوم 29 نوفمبر، احتفلت مدينة فلادليفيا رسمياً بمناسبة «اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني». وأشار كل من رئيس البلدية جيم كيني، المتحدث الرئيسي في المناسبة، وثلاثة أعضاء من مجلس المدينة، وعضو مجلس الشيوخ عن المدينة، ونائب عن الولاية، إلى مساهمات الأميركيين الفلسطينيين في المدينة وفي أميركا. وظهر في الحفل أعلام وموسيقى فلسطينية وقُدم كعك المعمول. وقُرئ بيان المدينة الرسمي الذي يعلن التضامن مع الشعب الفلسطيني.
طبيعي أن يعترف سياسيون بأهمية جماعات عرقية كثيرة تشكل جمهور ناخبيهم ويبدون دعمهم لهذه الجماعات. لكن ما حدث يوم 29 نوفمبر كان استثنائياً ونقطة تحول في تاريخ جماعتنا العربية وفي الاعتراف بالفلسطينيين. ولفهم أهمية ما حدث، يتعين علينا استعادة ذكريات زمن سابق ومؤلم عاشته جماعتنا في فلادليفيا. ففي عام 1983، حضر «ويلسون جود»، المرشح في ذاك الوقت لمنصب رئيس البلدية، مناسبة لجمع التمويل استضافه أميركي فلسطيني بارز في فيلادليفيا وهو نعيم أيوب. ونقل لي شقيقي جون زغبي الذي حضر المناسبة أن جود، في تعليقاته، تعهد «بأن يكون رئيس بلدية لكل السكان» في المدينة. وكان هذا يعني للحضور «اعترافاً كاملاً بالجالية الأميركية العربية ضمن الكيان السياسي».
لكن في اليوم التالي، هوجم «جود» من خصمه الذي اتهمه بأنه «حصل على أموال من العرب»، وبضعف موقفه تجاه تأييد إسرائيل. ويتذكر شقيقي جون أنه، بدلاً من التصدي للهجوم المتعصب، ظهر عنوان رئيسي في صحيفة «فلادليفيا انكوايرر» جاء فيه: «ويلسون جود يعيد أموال العرب». وأضاف جون أن هذا «كان عكس ما كان قد وعدنا به للتو. كانت لحظة إهانة وتصرفاً دنيئاً لا يتعلق بالسياسة، بل كان يتعلق بالعنصرية». وخدم «جود» فترتي ولاية كرئيس بلدية، لكنه لم يجتمع قط مع الجالية العربية الأميركية، ورغم بذلنا كل ما في وسعنا. وبعد ذلك بسبع سنوات، نظم مروان كريدي، الناشط البارز في فلادليفيا، اجتماعاً مع إيد رينديل، المرشح «الديمقراطي» لخلافة جود. وساعد مروان في جهود تسجيل أفراد الجماعة العربية في سجلات الناخبين وعزز علاقته الشخصية مع «رينديل»، الذي كان يهودياً ولم ترهبه جهود مروان في السعي للحصول على دعم الأميركيين العرب.
وفاز «رينديل» بفترتي ولاية في منصب رئيس البلدية وفترتي ولاية في منصب حاكم ولاية بنسلفانيا وعيّن، أثناء هذه الفترة، أميركيين عرباً في مناصب محلية وعلى مستوى الولاية. وهذا الاعتراف والاحتواء عزز في المقابل مكانة الجماعة العربية، مما قادنا إلى ما حدث في 29 نوفمبر 2021. لكن رغم تزايد القبول، ظلت ذكريات الاستبعاد المتعصب باقية تطاردنا. فقد تذكرنا «جود» وحبسنا أنفاسنا حين علمنا بخطاب من القنصل الإسرائيلي العام أرسله إلى رئيس البلدية حثه فيه على «إعادة النظر في قرارك بتصدر هذا الحدث ودعمه». وامتلأ الخطاب باتهامات غاضبة ضد الفلسطينيين. وتحدث عن معاداة السامية، واتهم الفلسطينيين وأنصارهم بـ «دعم الرفض العنيف للتسوية السلمية». وأشار إلى أن الجماعات التي ترعى المناسبة بأن «لا هم لها إلا إضفاء طابع الشيطنة على الدولة اليهودية».
لكن من دواعي سرورنا، أن الضغط لم يرضخ له لا رئيس البلدية ولا مسؤولون منتخبون آخرون. ولم يسحبوا إعلانهم الرسمي.
يجب ألا يتطلب الأمر المزيد من الجهد، للاعتراف بالأميركيين العرب، وضمهم كأعضاء كاملي العضوية في الكيان السياسي، أو التأكيد على إنسانية وهوية ومساهمة الفلسطينيين. لكن الأمر استغرق منا وقتاً طويلاً وآلاماً شديدة وعملاً كثيراً لبلوغ هذه المرحلة. ولهذا نحتفل بيوم 29 نوفمبر ونشكر كل الذين ناضلوا حتى بلغناه.
رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن