مسألة العرق وقلق البيض
أصيب البعض بالصدمة نتيجة إلحاق «جلين يونجكين» الهزيمةً بـ«تير مكوليف» في السباق على منصب حاكم ولاية فيرجينيا. لكن الهزيمة كانت نتيجة عدة عوامل؛ فلم يحقق «الديمقراطيون» بعض وعودهم أو لم يستطيعوا بعد إقرار مشروعات قوانين كبيرة في الكونجرس، مثل مشروعاتهم حول البنية التحتية والإنفاق الاجتماعي وحقوق التصويت. كما خاض مكوليف حملته على أساس مناهضة ترامب.
صحيح أن هناك أنماطاً تاريخية ما زالت تمثل الحقيقة في ولايات مثل فيرجينيا حيث يميل الناخبون إلى معاقبة أي حزب يسيطر على البيت الأبيض. لكن ما لا يمكن إنكاره هو نجاح يونجكين في تحفيز وإطلاق قلق البيض، متَّبعاً أكثر الصيغ فعاليةً، أي باعتباره حماية للضعفاء والأبرياء والذين بلا سند.
واعتمد يونجكين على نظرية العرق النقدية رغم أن هذه النظرية كما يتخيلها يونجكين لا يجري تعليمها في مدارس ولايته. لكن لا أهمية لذلك، فهناك أشخاص يريدون تصديق الاختلاق لأنه يسوّغ مخاوفهم بشأن النزوح وقلة الحيلة والهشاشة.
والواقع أن الهياج حول نظرية العرق النقدية ليس إلا أحدث نشاط من الغضب المصطنع الذي أُريد به الاستفادة من الخوف نفسه واستراتيجية أثبتت فعاليتها بشكل محبط. لقد كان هناك الخوف من «اختلاط الأعراق»، بما في ذلك فكرة أن الفتيان السود قد يبدأون في مواعدة الفتيات البيضاوات بعد الحكم القضائي الذي ألغى الفصل العنصري في المدارس في خمسينيات القرن الماضي. وكان هذا تطور فحسب للخوف القديم الشائع أثناء فترة إعادة الإعمار التالية للحرب الأهلية الأميركية، والذي مفاده أن الرجال السود غير قادرين على الحكم وطبعهم الاعتدائي يجعل النساء البيضاوات عرضةً للاغتصاب والانتهاك.
وكان هناك الخوف من انهيار الطريقة الجنوبية في الحياة والمجتمع بعد نجاح حركة الحقوق المدنية. وهو ما دفع إلى ظهور «الاستراتيجية الجنوبية» للجمهوريين. فقد استخدم ريتشارد نيكسون الخوفَ من جيل ضائع لشن حرب كارثية على المخدرات.
ولم تكن حرباً على المخدرات في الواقع بل طريقة أخرى لإشعال قلق البيض العرقي. وفي وقت لاحق صرّح جون ايرلتشمان، معاون نيكسون، لمجلة «هاربرز» بأن البيت الأبيض في عهد نيكسون كان لديه عَدوّان «هما اليسار المعادي للحرب والسود». ثم أضاف: «أتفهمون ما أقول؟ لم يكن بوسعنا جعل مناهضة الحرب أو كون المرء أسود أمراً قانونياً، لكن بجعل الجمهور يربط بين مناهضي الحرب والماريجوانا وبين السود والهيروين، ثم تجريم الأمرين بشدة، كان بوسعنا عرقلة هذه الجماعات. واستطعنا اعتقال زعمائهم ومداهمة منازلهم وفض اجتماعاتهم وتشويه صورتهم ليلة بعد أخرى في أنباء المساء. هل كنا نعرف أننا نكذب بشأن المخدرات؟ بالطبع كنا نعرف».
ووظف رونالد ريجان أسطورة «ملكة الإعانات» ليثير غضب الناخبين البيض. وفي إطار توصيف مجلة «ذي نيو ريبابليك» لملكة الإعانات ذكرت المجلة أن «السود أشخاص أكسل من أن يعملوا، وبدلا من هذا يعتمدون على الإعانات العامة التي يمولها الباقون منا من المواطنين الشرفاء». لكن «معهد السياسة الاقتصادية» أشار إلى أنه حتى مع «مقارنتهن بالنساء الأخريات في الولايات المتحدة، تمثل النساء السوداوات دوماً أعلى مستوى من المساهمة في سوق العمل، بصرف النظر العمر أو الحالة الاجتماعية».
والواقع أن البيض من الطبقة العاملة يحصلون على أكبر استفادة من المساعدات الحكومية. كما أثار جورج بوش الأب مخاوف من احتمال تعرض النساء البيضاوات للاغتصاب من سجناء سابقين من أصول أفريقية في إعلانه عن السجين الأسود ويلي هورتون عام 1988، ووضع هذا في إطار رسالة اتباع نهج صارم مع الجريمة.
وحتى «الديمقراطيون» شاركوا في هذا أثناء رئاسة بيل كلينتون، عبر أسطورة «أطفال الهيرويين» الذين يولدون لأمهات يتعاطين المخدرات أثناء حملهن، مما رسم صورة كابوسية عن جيل كامل. وأشاروا إلى أن الأطفال والشباب أفارقة الأصل من «الضواري» ولا يندمون على شيء. وهم مجرمون لا يمكن إصلاحهم، يجوبون الشوارع ومستعدون «لضرب أمي على رأسها بأنبوب من الرصاص أو إطلاق النار على شقيقتي أو ضرب زوجتي والتصدي لأبنائي»، كما قال جو بايدن، العضو في مجلس الشيوخ حينذاك.
وبذلت سارة بالين أقصى ما لديها لتقدم صورة حول باراك أوباما تنفّر الأميركيين منه، متهمةً إياه بأنه صديق للإرهابيين. كما شكك آخرون في كونه مولوداً داخل الولايات المتحدة وفي كونه مسيحياً.
ثم جاء دونالد ترامب، أكبر المشككين في محل ميلاد أوباما، وصعد بهذا الخوف إلى مستويات جارحة. فقد وصف المكسيكيين بأنهم مغتصبون والمسلمين بأنهم أشخاص يكرهون أميركا، واستخف بالدول الأفريقية وشيطن الرياضيين الملونين.
ولا عجب أن تجدي نظرية العرق النقدية نفعاً. لقد احتاج طفيلي القلق العرقي عائلا جديداً. ويمكن الجدل بأن «الديمقراطيون» قد وقعوا في زلات في فيرجينيا. لا شك في ذلك، لكن إذا أراد الديمقراطيون الفوز يتعين عليهم التخلص من مخاوف البيض. فقد تحوَّل بعض الذين صوتوا ضد ترامب لأنه أرهقهم وأحرجهم، إلى دعم يونجكين لأنه يمثل بعضاً من القيم نفسها، لكن خلف واجهة من اللباقة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»