بالنسبة لي، أهم قصة في انتخابات 2021، تتمثل في انتصار عبد الله حمود برئاسة بلدية ديربورن في ولاية ميشيجان، وهي المدينة التي لعبت دوراً كبيراً في دعم مكانة الجماعة الأميركية العربية. فمنذ دخول العرب السياسة كشريحة انتخابية منظمة في نهاية سبعينيات القرن الماضي، واجهنا مواقف مؤلمة من الرفض والإقصاء. فقد واجهنا إعادة التبرعات لنا وتطهير الحملات من العاملين الأميركيين العرب والتنكر الصريح من المجتمع لنا. وفي عام 1984، كانت الحملة التاريخية للقس جيسي جاكسون، لخوض السباق الرئاسي أول مسعى قومي يجري فيه الترحيب بالأميركيين العرب. ومع تحمسنا لاعتراف جاكسون واحترامه لنا، أقبلت الجماعة الأميركية العربية بأعداد كبيرة تحضر فعاليات حملته على امتداد البلاد.
وأقمنا «المعهد الأميركي العربي» لمواصلة الزخم الذي خلقته حملة 1984 الانتخابية. وأخذنا على أنفسنا دعم عملية تسجيل الناخبين العرب ودفع المزيد من الأميركيين العرب لخوض السباق على المناصب. وفي بداية الأمر ركزنا على الإعداد لسباقات 1988 الرئاسية، لكن تحول تركيز جهودنا لفترة وجيزة بعد اجتماعنا المؤسس في بداية عام 1985. فقد اتصلت بنا شابة أميركية عربية من ديربورن كانت قد حضرت الاجتماع المؤسس، لتخبرنا عن مرشح لرئاسة بلدية ديربورن وزرع منشوراً على كل منزل قال فيه: «دعونا نتحدث عن مشكلة العرب». و«المشكلة» كانت فيما يبدو أن «هناك الكثير جداً من الذين لا يتحدثون لغتنا ولا يقاسموننا قيمنا ويدمرون طريقتنا السمحة في الحياة». وأجدت طريقته العنصرية نفعاً وفاز بالمنصب.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، كانت ديربورن، وهي مدينة صغيرة مجاورة لديترويت، نحو 90 ألف نسمة، مقراً لواحد من مصانع سيارات فورد الكبيرة وارتبطت بشدة بصناعة السيارات. وعلى مدار سنوات، سيصل مهاجرون جدد إلى ديربورن تجذبهم وظائف مصنع «فورد» ليحلوا محل مهاجرين سابقين صعدوا السلم الاجتماعي الاقتصادي. وأثناء سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان العرب مهاجرين جدداً، ولم يكن من المفاجأة أن يقدم مرشح بياناً عنصرياً ضدهم. كان الأمر متوقعاً لكنه كان مؤلماً. وفي اليوم التالي لإرسال المنشور، سافرت إلى ديربورن لأتحدث إلى مجموعة كبيرة. لن أنسى أبداً نظرة الألم على وجوههم نتيجة الشعور بالرفض. وأخبرتهم قائلاً: «لستم مشكلة ديربورن، بل وعدها ومستقبلها».
لقد شعر المرشح لمنصب رئيس البلدية أنهم هدف سهل لأنهم كانوا جماعة جديدة ونسبة المسجلين منهم كناخبين منخفضة. وعملنا مع الجماعات المحلية واستقطبنا بعض الأشخاص في النشاط السياسي، وقدمنا بعض الموارد لتسجيل الناخبين وحشد الجهود. وبعد أربع سنوات، اُنتخبت سوزان ساريني- الشابة التي اتصلت بشأن المنشور العنصري- عضواً في مجلس المدينة لتصبح أول أميركية عربية تنتخب في مجلس ديربورن. وبعد عشر سنوات، استهل رئيس البلدية نفسه في أحد الفعاليات كلمته متحدثاً بالعربية وأعطاني «مفتاح المدينة» الرمزي. وفي إحدى الفعاليات التي استضفناها في ديربورن عام 2003، جاء إليها كل مرشح «ديمقراطي» للرئاسة. وبحلول عام 2013، كان رئيس مجلس المدينة وغالبية الأعضاء من الأميركيين العرب. والآن، حظيت ديربورن وهي مدينة ذات غالبية من الأميركيين العرب بأول رئيس بلدية من أصول عربية.
وعبد الله حمود يمثل قصة أميركية تقليدية. فوالده سائق شاحنة ووالدته مالكة نشاط اقتصادي صغير وهما مهاجران لبنانيان. وانتخب عبد الله الذي يحمل درجتي ماجستير كنائب في المجلس التشريعي في الولاية عام 2017 ثم مرة ثانية عام 2019، وهو أول أميركي عربي يمثل ديربورن في المجلس التشريعي للولاية. ورغم أن خصمه أشار إلى أن عبد الله يخوض السباق ليمثل «جماعته» فقط، لكن عبد الله ظل متمسكاً بروح إيجابية وركز على احتياجات المدينة ككل.
وبالإضافة إلى الفوز بمنصب رئيس البلدية، يحتل الأميركيون العرب أربعة مقاعد من بين سبعة مقاعد في مجلس مدينة ديربورن، من بينهم مايكل- ابن سوزان ساريني- رئيس مجلس المدينة، ورئيس الشرطة وعدد من القضاة ونظار المدارس العليا العامة الثلاثة في المدينة، جميعهم من أصول عربية أيضاً. وتواصل رجال الأعمال الأميركيين العرب بث الحياة في ديربورن ويساهمون في التجديد العام لدماء ديترويت الكبرى. واختارت مدينة ديربورن هايتس أيضاً رئيس بلدية أميركيا من أصول عربية وهو وليام بازي، وحدث هذا أيضاً في مدينة هامترامك التي انتخبت أمير غالب، وهو مهاجر يمني، أول رئيس بلدية أميركي عربي لهذه المدينة. وقد أظهر الأميركيون العرب أنهم فعلاً «وعد» مدننا وولاياتنا. ويتعين علينا جميعاً أن نتذكر قصتنا في أوقات مثل هذه.
رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن