لا يوجد ما هو أشد وهناً من بيت العنكبوت، حتى ضرب الله به مثلاً في القرآن الكريم، فقال: «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ». (سورة العنكبوت – الآية 41). يتألف بيت العنكبوت من خيوط حريرية تقوم الحشرة بغزلها. لكن هذه الخيوط التي تصنع البيت الواهي تَشغل العلماءَ اليوم في الشرق والغرب. فالخيط (وليس البيت) العنكبوتي هو أكثر جودة من كل خيوط النسيج التي يعرفها الإنسان حتى اليوم، وهو يشكل مصدر إلهام للعلماء لتطوير كل شيء، من إعادة تجميع العظام المكسورة في جسم الإنسان، إلى صناعة ملابس واقية من الرصاص، إلى إنتاج أجهزة لتخفيض الضوضاء، وحتى إلى إنتاج أجهزة لاقطة للأصوات والمكالمات عن بُعد.
كان العلماء يعتقدون أن خيوط العنكبوت تحتوي على مادة مقاومة للبكتيريا، لذلك لا تقرب الحشرات منها. غير أنهم اكتشفوا الآن أن المادة التي تتغذى عليها الحشرات عادةً محفوظة داخل جدران خيوط العنكبوت بحيث لا تستطيع هذه الحشرات الوصول إليها.
وأكد هذا الاكتشافَ الجديد عالمان صينيان من جامعة «تانع هي» في تايوان، هما «ونغ بي هان» و«تسو أي من». ونُشرت دراستهما في مجلة الأبحاث العلمية المعتمدة علمياً لدى كل مختبرات البحث العلمي في العالم.
لقد أثبتت تجارب العالمين الصينيين أن الميزة الاستثنائية التي تتمتع بها الخيوط الحريرية للعنكبوت ليست في إنتاج مادة مضادة للبكتيريا، ولكن في طبيعة تكوّن هذه الخيوط.. الواهنة!
من هنا بدأت رحلة البحث عن هذه الميزة الفريدة من نوعها لإنتاج مادة مضادة للبكتيريا وبإمكانها القضاء عليها. فالمضادات الحيوية المتداولة طبياً اليوم لم تعد تقوى على مقاومة كل أنواع الالتهابات التي تصيب الإنسان. فهناك أنواع مستجدة من البكتيريا تستعصي على هذه المضادات. وتسجل إحصاءات منظمة الصحة العالمية وفاة مئات الآلاف من البشر سنوياً لاستقواء البكتيريا على المضادات الطبية المعروفة اليوم لمقاومتها.
من هنا، كان المدخل الجديد للتعلّم من طبيعة تكوين خيوط العنكبوت لإنتاج مواد صناعية مقاومة للالتهابات المستعصية على الطب الحديث.
وفي كتاب للدكتور «أديونغ» عنوانه «الجراثيم داخلنا» (The Microbes within us)، يقول المؤلف: إن مليارات من الميكروبات وتريليونات من الجراثيم المجهرية تتضاعف وتتكاثر في وجوهنا وعلى أيدينا وفي أحشائنا الداخلية. وإنه مع كل عملية تنفس يطلق الإنسان إلى الهواء ما يعادل 37 مليون جرثومة في الساعة. وإنه مع كل غرام واحد من الطعام الذي يتناوله، يتناول معه أكثر من مليون جرثومة. ويقول: إن ما يقارب من نصف خلايا الإنسان ليست في الواقع خلايا إنسانية، بل تجمعات لخلايا جرثومية.
لا يستطيع الإنسان أن ينفرد بنفسه في معزل عن الجراثيم. عندما يأكل تشاركه الميكروباتُ طعامَه، وعندما يتنقل تنتقل معه، وعندما يموت تقوم هذه الميكروبات بالتهامه!
يبقى الإنسان صحيحاً معافى عندما يكون أقوى من الجراثيم التي تشكل جزءاً منه. لكن عندما تستقوي هذه الجراثيم تعبّر عن استقوائها بمرض الإنسان.
كيف نتعامل مع هذه الجراثيم والميكروبات التي هي منا وفينا؟ سؤال يحير العلماء. فهل يجدون الجواب في خيط العنكبوت الواهي؟
كاتب لبناني