ربما لا يلتفت أحدنا إلى حقيقة يعيشها بشكل عفوي، وهي أنه يسير خلف صور متتابعة مستمرة لا تهدأ، لتملأ كلاً منا بكم مخيف من اللقطات. فلقطات القهوة الصباحية التي تعصف بالصباحات جعلت من المقاهي قِبلةً لا تتوقف عن جذبنا ولا تهدأ، ثم تنسحب تدريجياً لتذهب صور البورغر الشهي الساخن الذي ينز بالصلصات والألوان التي ترتبها الصورة من الأصفر للأخضر للبني، في تناسق مرأي يفتح مسام الشهية للبحث عن مشهد له ذات الألوان لتثبيت اللقطة في العقل اليومي.
ننتقل بعدها إلى ملابس الصباح التي تحولت إلى ألوان موحدة وأزياء متشابهة، وتبدأ مسابقة الحصول على الحقائب أو الأحذية في طابور طويل لابد أن يساوي له تاريخ لدى علامات تجارية حتى يكون الاقتناء هدفاً والتباهي هدفاً رديفاً؛ فالصورة ناقصة إذا لم تكن من العلامات التجارية التي تسكن خزانه الملابس أو الحقائب الشخصية.
وبالتوازي مع ذلك تتطور كاميرات الهواتف لأن اللقطة هي السيد ونحن مجرد طابور يقف في خدمة مَن يملك التقاطها وتحويلها إلى حياة يومية كأنها ما يجب أن يكون!
هل فقدنا ذائقتنا الخاصة؟ هل تحولنا إلى مجرد كائنات تقضي يومها في انتظار تحقيق الصورة التي تزخر بها عوالم وسائل التواصل الاجتماعي؟
منعطف الصورة في الحياة اليومية منعطف تاريخي سيكون له أثره في حياة البشرية وسيكون نمطاً في عبودية جديدة خارج نطاق المألوف، فقد انتهت على ما يبدو عبودية الأفكار المتحررة والقيم السامية التي يموت الناس دفاعاً عنها وبدأ عصر جديد يوثق الحياة من خلال لقطات متشابهة، من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
وبذلك يتحول الناس إلى نسخ متشابهة، إذ تصبح الصورة هي السيد المطاع، وهي الإطار الناظم الذي يعمل من خلال نسق اجتماعي لا عقلاني، بل يمكن وصفه بالنسق الجنوني، في مواجهة أي حديث ناقد أو مضاد لعبودية اللقطة! بل إن الحدث نفسه، أي حدث، قد غاب تماماً لصالح الصورة؛ فالجميع مشغولون بتوثيق ما يجري من خلال الصورة بدلاً من العيش فيه وفهمه بكل تفاصيله وجمالياته أو حتى عذاباته.
الصورة أذابت الفعل وردة الفعل ودهشة الموقف، وحولت العالم الذي يرسم خطته اليومية عبر الصورة إلى مجرد صورة. والأخطر أن الصورة غالباً ما تكون مزيفةً، أي مضاف إليها الكثير من الأصباغ والأقنعة طلباً للرضا الجمعي. وهشاشة الأساس أضافت شقوقاً أخرى في خلفية المشهد ودعائمه. لقد بات الجميع يسيرون خلف كم مخيف من الألوان الكاذبة والزوايا المتحولة إلى فتحات هادية نراها ولا نعيها.
كاتبة إماراتية